اعلم يا رعاك الله أنه يجب على المكلفين إيجابا عينيا تعلم أربع مسائل:
الأولى: العلم, الثانية: العمل به, الثالثة: الدعوة إليه, والرابعة: الصبر على الأذى فيه.
وقد حكى الاجماع على إيجاب تعلم هذه الأمور غير واحد من العلماء منهم شيخ الاسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى.
أما العلم: فالمراد به هنا العلم الشرعي, والمقصود به ما كان تعلمه فرض عين, وهو كل علم يحتاج إليه المكلف في أمر دينه, كأصول الإيمان وما يجب اجتنابه من المحرمات وما يحتاج إليه في المعاملات ونحو ذلك مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب عليه العلم به. انظر جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر رحمه الله31.
قال الإمام أحمد رحمه الله:”يجب أن يطلب من العلم(أي: المكلف) ما يقوم به دينه,قيل له: مثل أي شيء؟ قال: الذي لا يسعه جهله: صلاته صيامه, ونحو ذلك” الفروع لابن مفلح رحمه الله 1/225.
أما العمل بالعلم: فقد قال عليه الصلاة والسلام: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ومنها: وعن علمه ماذا عمل فيه” الصحيحة946.
فعلى المسلم أن يدرك أهمية العمل بالعلم وأن الإنسان الذي لا يعمل بعلمه سيكون علمه حجة عليه, وهذا لا يخص العلماء فحسب كما يظن بعض الناس بل كل من علم مسألة من المسائل المفروضة وجب عليه شرعا العمل بها.
قال ابن الجوزي رحمه الله: “والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به, ففاتته لذات الدنيا, وخيرات الآخرة فقدم مفلسا مع قوة الحجة عليه” صيد الخاطر144.
أما الدعوة: فهي الدعوة إلى توحيد الله وطاعته, وهذه وظيفة الرسل وأتباعهم كما قال تعالى: “قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي” فالدعوة إلى الله أمرها عظيم وثوابها جزيل كما قال عليه الصلاة والسلام: “فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمُرِ النعم” البخاري.
والدعوة لا تؤتي ثمارها وتكون وسيلة إصلاح وبناء إلا إذا كانت وفق المنهج الرباني الذي كشف عنه ربنا سبحانه في قوله :” ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ”
قال الإمام مالك رحمه الله لتلميذه ابن القاسم رحمه الله:” اتق الله وانشر ما سمعت” انظر ترتيب المدارك 3/322.
أما الصبر على الأذى فيه: أي الصبر على الأدى في الدعوة إلى الله بأن يكون الداعية صابرا على ما يناله من أذيَّة الناس لأن أذيَّة الدعاة من طبيعة البشرإلا من هدى الله كما قال تعالى: “وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا”.
قال مالك بن دينار رحمه الله: “ما من أعمال البر شيء إلا ودونه عُقَيْبَة فإن صبر صاحبها أفضت به إلى روح, وإن جزع رجع” السير5/363.
قال بعضهم:
نقول واجب على العباد *** تعلم القواعد العماد
أولها العلم كذا العباره *** فتعرف الله بلا نكاره
وتعرفن نبيك الخليلا *** والدين بالدليل أيضا قيلا
وثاني القواعد المهمة *** أن تعلمن به تمام الهمة
وثالث فلتحرصوا عليه *** هداية ودعوة إليه
والرابع الصبر على كل أذى *** ومن أبى فليجتني مُرَّ القذى