من المسائل التي أثارها خطيب النمسا عدنان إبراهيم أن عائشة رضي الله عنها كانت أول أمرها مع النبي صلى الله عليه وسلم جاهلة بالله تعالى! لا تعرف أن الله يعلم السر وأخفى، محتجا بما روي عن عائشة في دعاء البقيع وفيه قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله. قال: نعم فإن جبريل عليه السلام.. على أنها سألته عن ذلك ولو تكن تعرفه فأجابها عليه الصلاة والسلام: نعم..! وقد زاد هو من عنده: يا عائشة!! واحتج به على أنها كانت جاهلة بالله تعالى.
ولسنا ننكر عليه فهمه، إنما ننكر عليه إثارة هذه المسألة لغير غرض شرعي، فقد ذهب ابن تيمية رحمه الله تعالى إلى أنها سألت واحتج به للعذر بالجهل.. ولكنني لم أر صاحبنا احتج به لأمر شرعي في سياق مقبول!!!
والجواب على هذا من أوجه:
أولها أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ما كانت ليخفى عليها ذلك وقد قرأت قوله تعالى ولابد في سورة طه: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) وسورة طه مكية !!!!
ثانيا: الرواية التي احتج بها رواية الإمام أحمد 25731/(دار الحديث) وفيها تقديم (قال) على (نعم) وفهم من قولها: (مهما يكتم الناس يعلمه الله) أنها سألته عن ذلك، أي أن ثم علامة استفهام (يعلمه الله؟) والظاهر خلاف هذا، ففي روايتين أخرى عند النسائي رحمه الله في المجتبى عن يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي عن حجاج (2037) وعن سليمان بن داود عن ابن وهب (3963) كلاهما عن ابن جريج به: (مهما يكتم الناس فقد علمه الله عز وجل) قال: نعم. وهو دال على أنها لم تسأل، بل أخبرت بذلك لعلمها به، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : نعم!
ثالثا: أنه صح الحديث بتقديم (نعم) على (قال)، فيكون قول (نعم) من قول عائشة، وكأنها تقرر وتجيب على سؤال سابق للنبي صلى الله عليه وسلم وهو (أظننت..) والرواية عند الإمام مسلم في صحيحه (2301) عن حجاج بلفظ: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله.. نعم. قال: فإن جبريل…
قال النووي: قوله: (قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله نعم) هكذا هو في الأصول، وهو صحيح، وكأنها لما قالت مهما يكتم الناس يعلمه الله صدقت نفسها فقالت: نعم.
وقال العلامة فركوس الجزائري في الفتوى رقم:917 في هذا الحديث: (ليس فيه شكّ في علمِ الله تعالى، بل بالعكس فيه تقرير للعلم، ويدلُّ على ذلك تصديق نفسها حيث أكدَّت مقالتها بالإثبات). ثم ذكر قول النووي.
وعلى هذا فسواء بطريق الجمع بين الروايات بحمل الألفاظ بعضها على بعض، أو بطريق ترجيح رواية مسلم على رواية أحمد لأنه قد أجمعت الأمة على تلقي كتابه بالقبول فإن عائشة لم تسأل عن ذلك، وكل هذا الاختلاف بسبب الرواية بالمعنى، وإلا فإن الذي قاله عليه الصلاة والسلام شيء واحد والله تعالى أعلم.
وأعود لأقول: ما فائدة إثارة المسألة بغير غرض شرعي واضح!!!؟؟
وأذكر الأستاذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم :(لا تؤذيني في عائشة؛ فإنه لم ينزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة إلا في لحاف عائشة).
وأخيرا أرجو من الله تعالى أن يشفع فيَّ نبيه عليه الصلاة والسلام إذ دافعت عن زوجه رضي الله عنها.