روى الترمذي عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم فقالوا: يا رسول الله؛ اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله هذا كما قال قوم موسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) والذي نفسي بيده لتركبن سُنَّةَ من كان قبلكم”.
قال الإمام الطرطوشي المالكي معلقا: “فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمون من شأنها، ويرجون البرء والشفاء من قبلها، وينوطون بها المسامير والخرق فهي ذات أنواط فاقطعوها” (الحوادث والبدع ص:38).
فأقول: رحمك الله يا إمام. ليتك تعيش لترى أهل زماننا وهم يعلقون الأقفال على ضريح أبي العباس السبتي، ليُرزقوا بمتاجر وعقارات وبيوت -عياذا بالله-… وقد نسوا أن الرزق من صفات الله وأنه من خصائص ربوبيته لا يشاركه فيه أحد، ومن زعم غير هذا فهو على شفا هلكة، بل قد وقع فيها…
وقال الإمام الطرطوشي أيضا: “أمر عمر بن الخطاب بقطع الشجرة التي بويع النبي صلى الله عليه وسلم تحتها، لأن الناس كانوا يذهبون تحتها فخشي عمر الفتنة عليهم” (الحوادث والبدع ص148).
رضي الله عنك يا أبا حفص.
أين أنت من آلاف الأشجار والأحجار التي تُعبد اليوم من دون الله؟
بل ليتك عشت لترى الناس يصرفون للمقبورين ما لا يجوز صرفه إلا لله؛ من أمثال (مولاي إبراهيم) و(سيدي عبد السلام بن مشيش).. والقائمة تطول.
بل إنه أضحى لكل قرية ضريحا أو أكثر تُصرف إليه أنواع العبادات وصنوف الطاعات؛ ومن عارض أو أنكر فهو مشوش على اختيارات المغاربة، ومفسد لعقائدهم، ومهدد لوحدتهم الروحية.
وقال ابن الحاج في المدخل: “ينبه العالم غيره ويحذرهم من تلك البدع التي أحدثت هناك، فترى من لا علم عنده يطوف بالقبر الشريف كما يطوف بالكعبة الحرام، ويتمسح به ويقبله، ويلقون عليه مناديلهم وثيابهم، يقصدون به التبرك، وذلك كله من البدع؛ لأن التبرك إنما يكون بالاتباع له عليه الصلاة والسلام، وما كان سبب عبادة الجاهلية للأصنام إلا من هذا الباب.
ولأجل ذلك كره علماؤنا رحمة الله عليهم التمسح بجدار الكعبة، أو بجدران المسجد، أو بالمصحف إلى غير ذلك مما يُتبرك به سدا لهذا الباب ولمخالفة السنة، لأن صفة التعظيم موقوفة عليه صلى الله عليه وسلم، فكل ما عظمه رسول الله صلى الله عليه وسلم نعظمه ونتبعه فيه، فتعظيم المصحف قراءته، والعمل بما فيه لا تقبيله ولا القيام إليه كما يفعل بعضهم في هذا الزمان، وكذلك المسجد تعظيمه الصلاة فيه لا التمسح بجدرانه.” (المدخل 1/263).
فأين كلام هذا العلم المالكي من واقعنا اليوم؛ والله المستعان.
وروى البخاري ومسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قبل الحجر الأسود قال: “إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك”.
فإذا كان هذا قول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في تقبيل الحجر الأسود -وهو شريعة ربانية وسنة محمدية- فكيف بمن يتمسح بأحجار وقبور؛ بل كيف بمن يشجع ذلك ويحييه وينشره في الأمة تحت ستار إحياء التراث والحفاظ على الخصوصية!؟
ألا فليتق الله كل مسلم يقع في مثل هاته الموبقات، وليعلم أن أعظم ما أمر الله به التوحيد؛ وأعظم ما نهى عنه الشرك، وإن من شرار الخلق من يحارب أعظم أوامر الله وينشر في الناس أعظم النواهي، وشر الموبقات (الشرك)..
وقد بين القرطبي رحمه الله في المفهم (3/378) “أن قول عمر هذا دفع لتوهم من وقع له من الجهال أن للحجر الأسود خاصية ترجع إلى ذاته، كما توهمه بعض الباطنية، وبين أنه ليس في تقبيله إلا الاقتداء المحض، ولو كان هناك شيء مما يفترى لكان عمر رضي الله عنه أحق الناس بعلمه”.
وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور، فقال: “أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور؛ أولئك شرار الخلق عند الله”.
فإذا كان هذا حال الضالين من النصارى والمغضوب عليهم من اليهود كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في حديث آخر، فما بال قوم من بني جلدتنا يتكلمون بألسنتنا؛ يتنكبون طريقه ويخالفون هديه؛ ويزعمون أن من الإسلام تجديد الأضرحة وترميمها وإحياؤها، والله المستعان.