وقفات مع كتاب التعالم من ظواهر التعالم: تعالم بعض المنتسبين لخدمة السنة المشرفة إعداد: عابد عبد المنعم

ومنه تعالم بعض المنتسبين لخدمة السنة المشرفة وأنواعه متعددة:

فمنها: اتساع الدعوى، فقد ركب لذلك الصعب والذلول، وأتى الناس فيه بالعجائب، وتطاول إليه أناس لا يعرفون من العربية حرفا، ولا من الفقه فرعا، ولا في الاصطلاح نوعا، وإنما اقتحموا العقبة ولا كالسارق الظريف بجرأة بالغة وفراهة(1)، ودعوى واسعة وصفاقة(2)، ومشوا على الأرض بأنوف شامخة وأفكار متلاطمة، وعند المفاتحة(3) يضيقون ذرعا، ويوسعونك لوما وقدحا، فخبطوا في الرواية خبط عشواء في: التصحيح والتضعيف ومستكره الفهم والتأويل، وسرعة الحكم بلا استقراء، والنفي بلا إحاطة، إلى غير ذلك في فلاة مضلة(4)، من وجوه العبث، وضروب المناكدة والهَوَس.
وهذا شأن من يقتحم قُحَما ليس من رجالها، ويلبس ثياب الكبراء متعثرا بأذيالها، فإلى الله الشكوى من تطاول أهل زماني من الركالة، على ينبوع الإسلام، وقد شغلوا العلماء بالتعقيب عليهم وإبطال رخصهم، ودحض مزلتهم.
ومن سماجتهم(5) البدار إلى التأليف في أوائل الطلب، ثم هو يرسم على طرته(6) (تصنيف أبي فلان.. سامحه الله وغفر له ولولديه ومشايخه) وأعرف منهم من لم يدرس على شيخ ولكن هذا من شدة التيه والبأو(7) والتمشيخ.
وقال الأوزاعي كما في السير (7 -114): “كان هذا العلم كريما بملاقاة الرجال فلما صار في الكتب، صرت تجده عند العبد والأعرابي” اهـ. (السير للذهبي 7/114).
ومن أقبح تناقضهم ان يتعلق بالسنة وعلومها متعلق وهو عاض على نواقضها من الخَلَفِية في الإعتقاد، والعصبية المذهبية، ونصب العداء للسلفين، وحرب عوان(8) على السلفية، وأما تلك الكنى الطربة كنى العبيد والطرقية: رخوة متخاذلة تنفر عنها النفوس الأبية، فإليك في نقد من تكنى بأبي السعادات ونحوها من الكنى الأعجمية للعلامة السلفي الشيخ محمد بشير الإبراهيمي الجزائري رحمه الله تعالى إذ يقول: (من سنن العرب أنهم يجعلون الاسم سمة للطفولة، والكنية عنوانا على الرجولة، ولذلك كانوا لا يكتنون إلا بنتاج الأصلاب وثمرات الأرحام من بنين وبنات، لأنها الامتداد الطبيعي لتاريخ الحياة بهم، ولا يرضون بهذه الكنى والألقاب الرخوة إلا لعبيدهم؛ وما راجت هذه الكنى والألقاب المهلهلة بين المسلمين إلا يوم تراخت العُرى الشاذة لمجتمعهم، فراج فيهم التخنث في الشمائل، والتأنث في الطباع، والارتخاء في العزائم، والنفاق في الدين. ويوم نسي المسلمون أنفسهم فأضاعوا الأعمال التي يتمجد بها الرجال وأخذوا بالسفاسف التي يتلهى بها الأطفال؛ وفاتتهم العظمة الحقيقية فالتمسوها في الأسماء والكنى والألقاب؛ ولقد كان العرب صخورا وجنادل يوم كان من أسمائهم صخر وجندلة، وكانوا غصصا وسموما يوم كان فيهم مُرَّةٌ وحنظلة؛ وكانوا أشواكا وأحساكا(9) يوم كان فيهم قتادةُ وعَوْسَجَة(10)، فانظر ما هم اليوم؟ وانظر أي أثر تتركه الأسماء في المسميات؟ واعتبر ذلك في كلمة “سيدي” وأنها ما راجت بيننا وشاعت فينا إلا يوم أضعنا السيادة، وأفلتت من أيدينا القيادة. ولماذا لم تشع في المسلمين يوم كانوا سادة الدنيا على الحقيقة؛ ولو قالها قائل لعُمَرَ لهاجت شِرَّتُه(11)، ولبادرت بالجواب دِرَّتُه(12)) اهـ.
ولا تستكثر مقالي هذا فهو امتداد لشكوى عن أئمة مضوا كابن فارس والذهبي والسخاوي وغيرهم في أعلام.. أنى لنا اللحوق بركابهم:
لاتأتين بذكرنا مع ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
وأستغفر الله من أحوالنا إذا رأينا ما عندهم من المعالي والعوالي، والصدق في الطلب وصدق اللهج(13)، فحقا لهم صاروا أئمة أعلاما يستضاء بنورهم فما يملأ العين بعدهم ومن سار على نهجهم إلا التراب أو من تحت التراب.
قال الذهبي رحمه الله في ترجمة معسر بن كدام المتوفي سنة 155 هـ رحمه الله تعالى: (فليس طلب الحديث اليوم على الوضع المتعارف من حيز طلب العلم، بل اصطلاح وطلب أسانيد عالية، وأخذ عن شيخ لا يعي، وتسميع لطفل يلعب ولا يفهم، أو لرضيع يبكي، أو لفقيه يتحدث مع حدث، أو آخر ينسخ وفاضلهم مشغول عن الحديث بكتابة الأسماء أو بالنعاس، والقارىء إن كان له مشاركة فليس عنده من الفضيلة أكثر من قراءة ما في الجزء سواء تصحف عليه الاسم أو اختبط المتن أو كان من الموضوعات، فالعلم عن هؤلاء بمعزل، والعمل لا أكاد أراه، بل أرى أمورا سيئة نسأل الله العفو) اهـ كلامه رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- فراهة: حذق ومهارة.
2- صفاقة: وقاحة.
3- المفاتحة: البدء في الكلام في الأمر المعين.
4- فلاة مضلة: صحراء مهلكة يضل سالكها.
5- سماجتهم: قبحهم.
6- طرة الكتاب: غلافته.
7- البأو: الفخر والتعاظم.
8- حرب عوان: قوتل فيها مرة بعد مرة.
9- الحسك: نبات له ثمرة خشنة.
10- العوسج: نبات له شوك.
11- شرته: حدته وغضبه.
12- الدرة: السوط يضرب به.
13- اللهج: لهج بالأمر لهجا، أولع به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *