للمعاصي والذنوب من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخر ما لا يعلمه إلا الله.
لذلك كانت هي أصل البلاء والشر.
قال ابن القيم رحمه الله: “فكل نقص وبلاء, وشر في الدنيا والآخرة فسببه الذنوب, ومخالفة أوامر الرب, فليس في العالم شر قط إلا والذنوب موجبتها” المدارج 1/424.
ومن ذلك: ضعف الإدراك وفساد التصور الذي ينتج عنه الحكم الباطل, فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
يقول ابن القيم رحمه الله: “فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكبا على قلبه, وصدؤه بحسب غفلته, وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه, فيرى الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم, فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه, فإذا تراكم عليه الصدأ واسود وركبه الرَّان فسد تصوره وإدراكه, فلا يقبل حقا ولا ينكر باطلا, وهذا أعظم عقوبات القلب, وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى فإنهما يطمسان نور القلب, ويعميان بصره, قال تعالى: “وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً” الوابل الصيب صحيحه.
وحقيقة ذلك “أن المعاصي تفسد العقل, فإن للعقل نورا, والمعصية تطفؤ نور العقل ولا بد, وطفئ نوره ضعف ونقص” الداء والدواء.
ومن الصوارف عن الحق لفساد التصور: ضعف عقل الناظر في الحق.
والعقل محل القلب على الصحيح من قولي الفقهاء وهو مذهب الجمهور لقوله تعالى: “فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا”.
وقال عمر رضي الله عنه في حق ابن عباس رضي الله عنهما: “ذالكم فتى الكهول, إن له لسانا سؤولا, وقلبا عقولا” رواه الحاكم في مستدركه.
وفي ذلك قال بعضهم:
محله القلب على المشهور *** للوحي وهو مذهب الجمهور
وفي الدماغ قال جل الحكما *** وبقولهم قال بعض العلما
وعليه ففساد العقل: فساد للقلب والبصيرة.
قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: “فمتى كان الناظر غير تام العقل كان أعمى البصيرة” الذريعة إلى مكارم الشريعة 263.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: “كما أن الإنسان يغمض عينيه فلا يرى شيئا وإن لم يكن أعمى, فكذلك القلب بما غشاه من رين الذنوب لا يبصر الحق, وإن لم يكن أعمى كعمى الكافر” الإيمان 29.
ولما كان العقل له تعلق بالدماغ والقلب معا, حيث يكون مبدأ الفكر والنظر في الدماغ, ومبدأ والإرادة والقصد في القلب فالمريد لا يكون مريدا إلا بعد تصور المراد, و”التصور محله الدماغ” انظر الفتاوي 9/304.
فلزم من ذلك أنه إذا فسد القلب والعقل بالذنوب والمعاصي، ضعف الإدراك وفسد التصور.
قال ابن القيم رحمه الله: “ومن عقوباتها (أي: المعاصي) أنها تؤثر بخاصة في نقصان العقل, فلا تجد عاقلين أحدهما مطيع لله, والآخر عاص, إلا وعقل المطيع منهما أوفر وأكمل, وفكره أصح ورأيه أسد, والصواب قرينه, ولهذا تجد خطاب القرآن إنما هو مع أولي العقول والألباب كقوله: (وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)…” الجواب الكافي 123.