وقفة تدبر

قال الله تعالى: “ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ” (البقرة61).
قد يقول قائل: إن قتل الأنبياء لا يكون إلا ظلما وباطلا، فما وجه التصريح بقوله: “بِغَيْرِ الْحَقِّ”؟
ذلك لبيان الواقع؛ وهو أن قتل الأنبياء لا حق فيه بأي وجه كان، وهذا ما يسمى بالصفة الكاشفة، أو الوصف اللازم، ومن فائدتها هنا الإمعان في بيان عظم جرم من أتى بهذا الأمر الفظيع، والتصريح بهذا الفعل الشنيع.
نفس الشيء في مثل قوله تعالى: “يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ” (الأعراف:61)، فهذه صفة كاشفة لبيان الواقع، فكل تكبر في الأرض فهو بدون حق، وكيف لا يكون كذلك وصاحبه قد نازع الله في إحدى صفاته التي لا تليق إلا به كما في الحديث: “يقول الله عز وجل: الكبرياء ردائي والعزة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار” (السلسلة الصحيحة).
ومن ذلك أيضا قوله تعالى: “وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ” (المؤمنون:117)، فهذه صفة لازمة، فكل شرك لا برهان لصاحبه ولا حجة له عليه، بل يستحيل وجود برهان على عبادة إله آخر مع الله.
فلا مفهوم للمخالفة مطلقا في مثل هذه الآيات، لأن كل ذلك وصف لازم ومطابق للواقع.
يقول العلامة محمد أمين الشنقيطي رحمه الله تعالى: “وقد تقرر في فن الأصول أن من موانع اعتبار مفهوم المخالفة، كون تخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع، فيرد النص ذاكرا لوصف الموافق للواقع ليطبق عليه الحكم، فتخصيصه بالذكر إذا ليس لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق، بل لتخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع” (أضواء البيان 5-576) اهـ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *