تظهر حقيقة اليقين بالله في مراحل الضعف، إذ ليس صاحب اليقين من تنفرج أساريره وينشرح صدره ويتهلل وجهه، حين يرى قوة الإسلام وعزة أهله وبشائر نصره، وإنما يكون اليقين لصاحب الثقة بالله مهما حلك الظلام، واشتد الضيق، واجتمعت الكروب، وتكالبت الأمم، لأن أمله بالله كبير ويقينه بأن العاقبة للمتقين، وأن المستقبل لهذا الدين.
قال ابن القيم رحمه الله: “سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، ثم تلا قوله تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)” تهذيب المدارج 352.
وأهم ما يؤتاه المرء اليقين، كما في الحديث: “وسلوا الله اليقين والمعافاة، فإنه لم يؤت أحد بعد اليقين خيرا من المعافاة” صحيح الجامع.
ولا تهلك هذه الأمة إلا حين يبخل أبناؤها بتقديم الجهود لنصرتها مع انعدام الزهد واليقين، ويتجرعون كؤوس الأمل بلا عمل.
قال صلى الهع عليه وسلم: “صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل” صحيح الجامع.
ولأن الله وحده هو عالم الغيب فلا ندري متى النصر؟ ولا نعلم أين الخير؟ ولكن الذي نعلمه أن أمتنا أمة خير يرجى لها النصر من الله -ولوبعد حين- ويشير رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ذلك بقوله: “مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره” صحيح الجامع، ولا ندري على يد أي جيل يكشف الله الغمة، ويرفع شأن هذه الأمة، ولكن الذي ندريه أن سنة الله في الكون كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة” صحيح الجامع.
ولقد جاءت بشائر كثيرة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تجدد الأمل وتحقق اليقين، منها وعد الله بأن يبلغ ملك الأمة المشارق والمغارب كما في الحديث: “إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها” رواه مسلم.
فإذا عرفنا أن الأصل في الإسلام العلو والسيادة والتمكين فلا نستيئس من ضعف المسلمين وظهور أهل الباطل حينا من الدهر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الإسلام يعلو ولا يُعلا” صحيح الجامع.
وقال ابن القيم رحمه الله: “فمن كان قيامه في باطل لم ينصر، وإن نُصر نصرا عارضا فلا عاقبة له وهو مذموم مخذول” إعلام الموقعين 2/178.
وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببشريات تذيب كل يأس، وتدفع كل قنوط، وتريح قلوب كل فاقد للأمل من أبناء هذا الدين وتثبت اليقين، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض..” صحيح الجامع.
وليُعلم أن المقياس عند الله غير مقياس البشر إذ الله جل وعلا يجعل من الضعف قوة وذلك واضح من قوله صلى الله عليه وسلم: “إنما ينصر الله هذه الأمة بضعفائها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم” صحيح سنن النسائي.
فلا بد إذن من الليل أن ينجلي، ولا بد للغثاء أن يذهب جفاء، ولا بد لما ينفع الناس أن يمكث في الأرض، ويمضي قدر رب العالمين في أن تكون العاقبة للمتقين الموقنين.