ذكر ابن تيمية رحمه الله عشرة أسباب مانعة من العقوبة بإذن الله، وقد بسط الكلام بشأنها في “منهاج السنة النبوية” (6/205-235) و”مجموع الفتاوى” (ج.7 – ص.487-501)، وسنوردها هنا باختصار وتصرف، قال رحمه الله:
السبب الأول – التوبة: وهذا متفق عليه بين المسلمين؛ قال الله عز وجل: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}، وقال تعالى: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم}، وقال سبحانه: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}، وأمثال ذلك.
السبب الثاني – الاستغفار: كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا أذنب عبدٌ ذنباً فقال أي رب أذنبت ذنباً فاغفر لي، فقال: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي… الحديث” [رواه البخاري: 6953؛ ومسلم: 4953].
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم” [مسلم: 4936].
السبب الثالث – الحسنات الماحية: كما قال تعالى: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات}، وقال صلى الله عليه وسلم: “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر” [رواه مسلم: 344]، وقال: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه” [رواه البخاري: 37؛ ومسلم: 1268]، وقال: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه” [رواه البخاري: 1768]، وقال: “من حجَّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه” [رواه البخاري: 1690]، وقال: “فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” [رواه البخاري: 494؛ ومسلم: 5150]، وقال: “من أعتق رقبةً مؤمنةً أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار، حتى فرجه بفرجه” [رواه مسلم: 2777]، وقال: “الصلاة قربان، والصيام جُنة، والصدقة تطفئ الخطيئةَ كما يطفئ الماء النار” [صحيح الترغيب: 866].
السبب الرابع – دعاء المؤمنين للمؤمن: مثل صلاتهم على جنازته، فعن عائشة وأنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون، إلا شُفِعُوا فيه” [رواه مسلم: 1576]، وعن ابن عباس قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من رجل مسلمٍ يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا، إلا شفعهم الله فيه” [رواه مسلم: 1577].
السبب الخامس – ما يعمل للميت من أعمال البر: كالصدقة ونحوها، فإن هذا ينتفع به بنصوص السنة الصحيحة الصريحة، واتفاق الأئمة، وكذلك العتق والحج، بل قد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: “من مات وعليه صيام صام عنه وليه” [رواه البخاري: 5210؛ ومسلم: 4670].
السبب السادس – شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة: كما قد تواترت عنه أحاديث الشفاعة، مثل قوله: “شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي” [صحيح أبي داوود: 3965]، وقوله صلى الله عليه وسلم: “خيرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة…” [صحيح الجامع: 3335].
السبب السابع – المصائب التي يكفر الله بها الخطايا في الدنيا: كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “ما يصيب المؤمنَ من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه” [رواه البخاري: 5210؛ ومسلم: 4670].
السبب الثامن – فتنة القبر: كالضغطة، والترويع، والتخويف، وغيرها من الأهوال، فإن هذا مما يكفر الله به الخطايا.
السبب التاسع – أهوال يوم القيامة: وهي شديدة جدا، وكرب القيامة لا تشبهها كرب، كالفزع والحشر وإدناء الشمس على الخلائق والعطش وجوازِ الصراط المنصوب على متن جهنّم وغير ذلك، وكذلك اقتصاص الله تعالى لعباده المؤمنين من بعضهم قبل دخول الجنة، ففي الصحيحين أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيُقتصُّ لبعضهم من بعض، فإذا هُذِّبُوا ونقُّوا أُذن لهم في دخول الجنة.
السبب العاشر – رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد: فنسأل الله الكريم من فضله ونعوذ به من سخطه وعقابه، فهذه الأسباب قد جعلها رحمة لعباده لمنع أو تخفيف العذاب.