التَّوحِيدُ الخَالِصُ: (13) توحيد الألوهية

الذَّبْــحُ
المعنى اللغوي: الذَّبْحُ قَطْعُ الحُلْقُوم من باطنٍ عند النَّصِيل وهو موضع الذَّبْحِ من الحَلْق والذَّبْحُ مصدر ذَبَحْتُ الشاة يقال ذَبَحه يَذْبَحُه ذَبْحاً فهو مَذْبوح وذَبِيح(1).
المعنى الشرعي:الذبح إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه مخصوص ويقع على وجوه:
• الأول: أن يقع عبادة بأن يقصد به تعظيم المذبوح له والتذلل له والتقرب إليه فهذا لا يكون إلا لله تعالى على الوجه الذي شرعه الله تعالى، وصرفه لغير الله شرك أكبر؛ دليله قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ).
• الثاني: أن يقع إكراماً لضيف أو وليمة لعرس أو نحو ذلك فهذا مأمور به إما وجوباً أو استحباباً لقوله صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه” (متفق عليه) وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: “أولم ولو بشاة” (متفق عليه).
•الثالث: أن يقع على وجه التمتع بالأكل أو الاتجار به ونحو ذلك فهذا من قسم المباح فالأصل فيه الإباحة لقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ، وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) [يّـس:71-72]، وقد يكون مطلوباً أو منهياً عنه حسبما يكون وسيلة له(2).

الذبح لله عبادة وطاعة
إن الذبح عبادة وقربة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل، قال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر:2] فالمقصود بالنحر هنا الذبح.
وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162-163].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه، أنه مخالف لهم في ذلك، فإن صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له، وهذا كقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر : 2] أي: أخلص له صلاتك وذبيحتك، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه، والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى.
قال مجاهد في قوله: (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) قال: النسك: الذبح في الحج والعمرة.
وقال الثوري، عن السُّدِّي عن سعيد بن جُبَيْر: (وَنُسُكِي) قال: ذبحي. وكذا قال السُّدِّي والضحاك(3).

الذبح لغير الله شرك
إن الذبح عبادة وقربة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى ولذلك وجب صرفها له وحده دون ما سواه وكان صرفها لغيره سبحانه شرك أكبر وذلك للآيتين السابقتين وغيرهما.
عن أبي الطفيل قال: سُئل عليٌ، أخصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟
فقال: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا، قال: فأخرج صحيفة مكتوب فيها: “لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثا،”رواه مسلم.
قال النووي: “المراد به أن يذبح باسم غير الله تعالى، كمن ذبح للصنم أو الصليب أو لموسى أو لعيسى صلى الله عليهما، أو للكعبة ونحو ذلك، فكل هذا حرام، ولا تحل هذه الذبيحة، سواء كان الذابح مسلما أو نصرانيا أو يهوديا، نص عليه الشافعي، واتفق عليه أصحابنا، فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كُفرا، فإن كان الذابح مسلما قبل ذلك صار بالذبح مرتدا”(4).
فمن الشرك إذن ما يفعله كثير من الناس في مجتمعنا من التقرب بالذبح لغير الله كمن يذبح للجن لشفاء المصروع أوعند حفر أساس البناء، أو عند اكتمال البناء.
ومن الشرك أيضا الذبح للأضرحة والقبور في المواسم وغيرها.
ومن الشرك أيضا تسمية الذبائح لغير الله كمن يقول عند الذبح :”ذْبيحتْك آمولاي ابراهيم” أو “ذْبيحتْك أمولاي عبد السلام” أو غيرها من التسميات غير اسم الله تعالى.
وقد يلبس الشيطان على كثير من الناس فيعتقدون أنهم يتقربون إلى الله عز وجل بالذبح عند القبور والمواسم التي تُعبد من دون الله لإطعام الفقراء والمساكين الذي يتواجدون حولها وهذا باطل لما رواه ثابت الضحاك؛ أن رجلا نذر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببُوانة(5)، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببُوانة.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟؟
قالوا: لا.
قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟
قالوا: لا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) – لسان العرب 2/436.
(2) – شرح ثلاثة الأصول ص:62 وانظر معجم ألفاظ العقيدة ص 190-191.
(3) – تفسير القرآن العظيم.
(4) – المنهاج 6/475.
(5) – قال صاحب عون المعبود: “بِضَمِّ الْمُوَحَّدَة وَبَعْد الْأَلِف نُون ، وَقِيلَ بِفَتْحِ الْبَاء هَضْبَة مِنْ وَرَاء يَنْبُع”.
(6) – رواه أبو داود وصححه الألباني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *