وقفات مع كتاب التعالم التجنس اللغوي إعداد: عابد عبد المنعم

التجنس اللغوي: ومنه “الانحلال اللغوي، من كرائم لغة العرب إلى لوثة(1) العجمة” من كل متعالم: قاموسه(2) غير محيط؛ وقابوسه(3)غير وسيط؛ ونصيبه من اللغة شماطيط(4) حتى إن الخاطر ليرد على الخاطر فيقول: هل هذا المتعالم متقلب في أرحام حنظلية أم من أصلاب فارسية؟ وهل هو نبطي(5) حقيقة عربي تجوزا؟ وهذا القطيع هو الغنيمة الباردة للشعوبية يمتطونه في دعواتهم لتهجين اللسان في الدعوة إلى:
– الشعر الحر.
– وإحياء اللهجات العامية.
– وتغيير الرسم القرآني.
– وتغيير الأرقام العربية.
– وإشاعة المولد في وسائل الإعلام.
– وتنزيل “لغة الجرائد” في مدونات أهل الإسلام.
– وتشييد الحواجز عن كتب “المواد” للسان العرب.
وهكذا في قطار من البلايا، والأدواء المتناسلة، فيتلقفها المتعالمون من بيننا، متبنين نشرها والدفاع عنها، جهلا عند أقوام، واستماتة في سبيل الشهرة عند آخرين.
والحمد لله إن فَلَّت(6) جموعها: المجامع اللغوية الناصحون في هذه الأمة استمرارا لمعجزة حفظ التنزيل، بحفظ لسانه (بلسان عربي مبين) الشعراء 195، وحفظ بيانه بسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}الحجر9.
فعلى أهل العلم والإيمان المحافظة على هذا اللسان بالدعوة إليه؛ وكف الدخيل عنه؛ والابتعاد عن دعوات الشعوبية ومن ألأمِها تنزيل “لغة الجرائد الهزيلة” في كتب العلم وأن يبذلوا الجهد في نسخ الكلام على سنن لغة العرب؛ فإن المباني ذات خدمة كبيرة للمعاني فلابد من انتقائها ورفض المولَّد والمهجن؛ وفي المشهور: “الألفاظ قوالب المعاني” و”الألفاظ خدم للمعاني والمعاني مالكة سياسة اللفظ”.
وهذه الوجهة لن تتعاصى -بإذن الله- على مبتغيها، متى عقد العهد لموالاتها ونبذ الدخيل عليها وأقام سوق الولاء والبراء فيها؛ ولا يكون هذا إلا مِن نفوسٍ تحلت بالشرف وعلو الهمة وإباء الضيم وعملت في سبيلها احتسابا وديانة.
وقد جرب على من صدقت نيته في هذا، ووحد السبيل إليها -إذ لا يقبل لسان العرب المزاحمة ولا الشركة- أنه يوفَّق فتزدحم عنده المعاني وتتوارد لديه الملاح(7) من المباني، فيأخذ ما يشاء ويدع ما يشاء.
وقد رأينا هذا لدى جملة من علماء السلف المعاصرين منهم: العلامة الداعية اللغوي الشيخ محمد الخضر حسين المتوفى سنة 1377هـ رحمه الله تعالى، والعلامة الداعية اللغوي الشيخ محمد البشير الإبراهيمي المتوفى سنة 1385هـ رحمه الله تعالى، والعلامة المحدث اللغوي الشيخ أحمد بن شاكر محمد المتوفى سنة 1377هـ رحمه الله تعالى في آخرين.
وقد استفدت من كتب هؤلاء الثلاثة الأعلام، وتأثرت بأسلوبهم البياني الفريد مع ما منَّ الله به علي من ملازمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي المتوفى سنة 1393هـ صاحب أضواء البيان نحو عشر سنين في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فالحمد لله على توفيقه.
وهذه الوجهة لن يتعاصى فهمُها على القراء متى كانوا كذلك وهم الذين يساق إليهم الحديث، أما من كانت وسائل الإعلام سماعا وقراءة سميره وهجيراه فاستعاض بالمقهى عن المعهد؛ وبالجريدة عن الكتاب؛ وبالمناقشات الرياضية عن المذكرات العلمية؛ فأنى له ذلك؟
وليعلم وإن كان في نفسه عظيما أنه لقىً(8) منبوذُ في العراء بفعل يمينه قد ضرب بينه وبين العلم بسور ليس له باب.
وهذه الوجهة أيضا من أعظم الأسباب للدعوة إلى لغة العرب ونشرها، والإجهاز على العجمة والأعجمين؛ وعطف الناس للرجوع إلى كتب المواد للسان العرب؛ إذ لابد من الدعوة للغة القرآن أن يتجاوب معها: التخاطب وصريف الأقلام.
قال الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله تعالى:
لغةٌ قد عقدَ الدينُ لها ذمةً يكلؤُهَا كلُّ البشَر
أو لم تُنسَجْ على مِنوالِها كَلمُ التَّنزيل في أرْقى الصُّور
يا لقومي لوفاءٍ إنَّ مَن نَكثَ العَهد أتَى إحدَى الكُبر
فأقيموا الوجهَ في إحيائها وتَلافوا عقْدَ ما كان انتَثَر
قال بن فارس رحمه الله تعالى: “وقد كان الناس قديماً يجتنبون اللحن فيما يكتبونه أو يقرؤونه اجتنابهم بعض الذنوب، فأما الآن فقد تجوزوا حتى إن المحدث يحدث فيلحن؛ والفقيه يؤلف فيلحن؛ فإذا نبها قالا: ما ندري ما الإعراب وإنما نحن محدثون وفقهاء؛ فهما يسران بما يساء به اللبيب.
ولقد كلمت بعض من يذهب بنفسه ويراها من فقه الشافعي بالرتبة العليا في القياس فقلت له: ما حقيقة القياس ومعناه؟ ومن أي شيء هو؟ فقال: ليس علي هذا، وإنما علي إقامة الدليل على صحته. فقلَّ الآن في رجل يروم إقامة الدليل على صحة شيء لا يعرف معناه، ولا يدري ما هو. ونعوذ بالله من سوء الاختيار”. اهــ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- اللوثة: الحبسة من اللسان.
2- القاموس: البحر المحيط.
3- القابوس: الرجل الجميل الوجه الحسن اللون.
4- شماطيط: قالوا شماطيط في تفرق القوم؛ وقالوا تفرق القوم شماطيط أي فرقا.
5- نبَطي: يطلق هذا على أخلاط الناس من غير العرب.
6- فلّت: كسرت.
7- الملاح: جمع مليح وهو الشيء الحسن.
8- لقىً: اللقى: ما طرح وترك هوانه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *