التَّوحِيدُ الخَالِصُ: (19) توحيد الألوهية النَّـذْرُ

تعريفه:

النذر هو هو التزام قربة غير لازمة في أصل الشرع بلفظ يُشعر بذلك مثل: لله عليّ أن أتصدق بكذا.
حكمه:
النذر مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، وأما حكم النذر ابتداءً فإنه مكروه غير مستحب؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن النذر وقال: “إنه لا يردُّ شيئاً وإنما يستخرج به من الشحيح”( 1)، ولأن الناذر يلزم نفسه بشيء لا يلزمه في أصل الشرع، فيحرج نفسه، ويثقلها بذلك، ولأنه مطلوب من المسلم فعل الخير بلا نذر.
إلا أنه إذا نذر فعل طاعة وجب عليه الوفاء به؛ لقوله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) [البقرة: 270]، وقوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) [الإنسان: 7]، ولحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه”( 2).
فقد مدح الله عز وجل الموفين بالنذر وأثنى عليهم، وأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالوفاء به، فدلَّ ذلك على أن النهي المتقدم عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما هو للكراهة لا للتحريم، وأن المنهي عنه والمكروه هو ابتداء النذر والدخول فيه، وأما الوفاء به، وإنجازه لمن لزمه فواجب، وطاعة لله سبحانه.
النذر عبادة:
النذر نوع من أنواع العبادة التي هي حق لله وحده، لا يجوز صرف شيء منها لغيره، فمن نذر لغيره فقد صرف نوعا من أنواع العبادة التي هي حق الله تعالى لمن نذر له، وهذا يعتبر شركا، ويكون صاحبه داخلا تحت عموم قول الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [المائدة:72] .
أقسامه:
ينقسم النذر بحسب الأحكام المترتبة عليه، ولزوم الوفاء به من عدمه، إلى خمسة أنواع:
1- النذر المطلق: نحو قوله: لله عليَّ نذر. ولم يسم شيئاً، فليزمه كفارة يمين، سواء كان مطلقاً أو مقيداً.
2- نذر اللَّجَاج والغضب: وهو تعليق نذره بشرط يقصد به المنع من فعل شيء أو الحمل عليه أو التصديق أو التكذيب، كقوله: إن كلمتك، أو إن لم أخبر بك، أو إن لم يكن هذا الخبر صحيحاً، أو إن كان كذباً فعليَّ الحج، أو العتق..، فهذا النذر خارج مخرج اليمين للحث على فعل شيء أو المنع منه، ولم يقصد به النذر ولا القربة، فهذا يخير فيه بين فعل ما نذره أو كفارة يمين؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كفارة النذر كفارة يمين”( 3).
3- النذر المباح: وهو أن ينذر فعل الشيء المباح، نحو: أن ينذر لبس ثوب أو ركوب دابة.. ونحو ذلك، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا شيء عليه فيه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، إذا هو برجل قائم فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم، فقال: “مروه، فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه”( 4).
4- نذر المعصية: وهو أن ينذر فعل معصية، كنذر شرب خمر، والنذر للقبور، أو لأهل القبور من الأموات، وصوم أيام الحيض، ويوم النحر، فهذا النذر لا ينعقد ولا يجب الوفاء به، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه”(5 )؛ لأن معصية الله لا تباح في حال من الأحوال، ولا يلزمه به كفارة.
5- نذر التبرر: وهو نذر الطاعة، كنذر فعل الصلاة والصيام والحج، سواء أكان مطلقاً، أم معلقاً على حصول شيء، فيجب الوفاء به إن كان مطلقا، وعند حصول الشرط إن كان معلقاً؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “من نذر أن يطيع الله فليطعه”(6 ).

صور من النذر الذي لا يجوز الوفاء به:
إن النذر الذي لا يجوز الوفاء به هو نذر المعصية وهذا يتحقق في صور، منها:
– نذر شرب الخمر أو صوم أيام الحيض؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه”.
– النذر الذي يقع للأموات كأن يقول: يا سيدي فلان، إن رد غائبي، أو عوفي مريضي، أو قضيت حاجتي، فلك من النقد أو الطعام أو الشمع أو الزيت كذا وكذا. فهذا باطل، وهو شرك أكبر والعياذ بالله؛ لأنه نذر للمخلوق، وهو لا يجوز؛ لأن النذر عبادة، وهي لا تكون إلا لله.
– إذا نذر أن يسرج قبراً أو شجرة؛ لم يجز الوفاء به، ويصرف قيمة ذلك للمصالح؛ لأنه معصية، ولا نذر في معصية؛ للحديث المتقدم (7 ).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) – متفق عليه.
( 2) – رواه البخاري.
( 3) – رواه مسلم.
(4 ) – رواه البخاري.
( 5) – رواه البخاري.
( 6) – رواه البخاري.
( 7) – أنظر “الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة” ص392 ، وما بعدها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *