من العقائد المقررة عند أهل السنة والجماعة وأتباع منهج السلف أن الإيمان يزيد وينقص، والذي نصت عليه الأدلة وتظاهرت عليه هو الزيادة؛ قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (التوبة:124).
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: “وهذه الآية الكريمة من أعظم الدلائل على أن الإيمان يزيد وينقص، كما هو مذهب أكثر السلف والخلف من أئمة العلماء، بل حكى الإجماع على ذلك غير واحد”.
وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال:2).
قال الآلوسي في تفسير هذه الآية: “وهذا أحد أدلة من ذهب إلى أن الإيمان يزيد وينقص، وهو مذهب الجم الغفير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين. وبه أقول، لكثرة الظواهر الدالة على ذلك من الكتاب والسنة من غير معارض لها عقلا، بل قد احتج بعضهم بالعقل -أيضا- وذلك أنه لو لم تتفاوت حقيقة الإيمان؛ لكان إيمان آحاد الملة -بل المنهمكين في الفسق والمعاصي- مساويا لإيمان الأنبياء والملائكة -عليهم الصلاة والسلام- واللازم باطل، فكذا الملزوم”.
قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران :173).
وقال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} (الأحزاب:22).
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} (الفتح:4).
وقال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} (المدثر:31).
هذا في الزيادة أما النقص فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “وأما النقص فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظ النساء وقال لهن: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل العاقل من إحداكن)؛ فأثبت نقص الدين.
ثم لو فرض أنه لم يوجد نص في ثبوت النقص؛ فإن إثبات الزيادة مستلزم للنقص؛ فنقول: كل نص يدل على زيادة الإيمان؛ فإنه متضمن للدلالة على نقصه”. اهـ (شرح العقيدة الواسطية 2/233-234).
قال عبد الله بن نافع: كان مالك رحمه الله يقول: “الإيمان قول وعمل يزيد وينقص” (شرح أصول الاعتقاد برقم 1742).
وقال ابن أبي زيد القيرواني: “الإيمان قول باللسان، وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بزيادة الأعمال، وينقص بنقص الأعمال، فيكون فيها النقصان وبها الزيادة، ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل، ولا قول ولا عمل إلا بالنية” (الرسالة شرح عقيدة ابن أبي زيد للقاضي عبد الوهاب ص:342).
وقال الإمام ابن بطة: “اعلموا رحمكم الله تعالى أن الله عز وجل تفضل بالإيمان على من سبقت له الرحمة في كتابه، ومن أحب أن يسعده، ثم جعل المؤمنين متفاضلين، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، ثم جعله فيهم يزيد ويقوى بالمعرفة، وينقص ويضعف بالغفلة والمعصية، وبهذا نزل الكتاب، وبه مضت السنة، وعليه أجمع العقلاء، من أئمة الأمة، ولا يُنكر ذلك ولا يخالفه إلا مرجئ خبيث” (الإبانة الكبرى 2/832).
وقال ابن عبد البر: “أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمان” (التمهيد 9/238).
وقد كان السلف يزجرون من لا يثبت النقص، قال الحميدي رحمه الله: سمعت سفيان يقول: “الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد لا تقل ينقص، فغضب وقال: أسكت يا صبي، بلى حتى لا يبقى منه شيء”. (أصول السنة ص:35).
وقال ابن أبي زمنين: “ومن قول أهل السنة: أن الإيمان درجات ومنازل يتم ويزيد وينقص، ولولا ذلك استوى الناس فيه، ولم يكن للسابق فضل على المسبوق” (رياض الجنة بتخريج أصول السنة ص:211).
وقال أبو الحسن الأشعري: “وأجمعوا على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وليس نقصانه عندنا شك فيما أمرنا بالتصديق به، ولا جهل به، لأن ذلك كفر، وإنما هو نقصان في مرتبة العلم وزيادة البيان كما يختلف وزن طاعتنا وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإن كنا جميعا مؤدين للواجب علينا” (رسالة إلى أهل الثغر ص:284).