فوائد قراءة تراجم الصالحين, والسلف الماضين

ما أحسن مطالعة تراجم الصالحين من علماء السلف وعُبّادهم وزُهادهم . إنها تربية إنها أُنس إنها شحذ للهمم ، خيرهم وسيدهم وإمامهم محمد عليه الصلاة والسلام ثم الخلفاء ثم الصحابة ثممن تبعهم باحسان من علماء أهل السنة والجماعة ، مثل الحسن البصري وابن المسيب والزهري ومالك والشافعي وأبي حنفية وأحمد وأصحاب الحديث والأئمة المتأخرين وهلم جرا.يستلهم به طالب العلم نفحات تدفعه إلى الأمام وتطوي عليه مشقة سيره في الطلب بمايرى من عجائب قصصهم وسيرهم وصبرهم في الطلب وتقلبهم في منازل العبادة كتكون له صحبة من الأخيار وإن كانو من الأموات
قال أبو داود قلت لابن المبارك : مَنْ تجالس بخراسان ؟قال : أجالس شعبة وسفيان – قال أبو داود : يعني : أنظر في كتبهما -. أخرجه في الحلية 8/164.
وقال الخطيب عن شقيق بن إبراهيم البلخي قال : قيل لابن المبارك : إذا صليت معنا ، لِمَ لا تجلس معنا ؟؟ قال : أذهب مع الصحابة والتابعين ! قلنا له : و من أين الصحابة والتابعون ؟؟قال : أذهب أنظر في علمي ؛ فأدرك آثارهم وأعمالهم ، فما أصنع معكم ؟؟ أنتم تغتابون الناس ، فإذا كان سنة ثمانين ؛ فالبعد من كثيرٍ من الناس أقربُ إلى الله ، و فرَّ من الناس كفرارك من الأسد ، و تمسك بدينك يسلم لك مجهودك .اهـ
و في التقييد للخطيب عن يحيى بن أكثم قال : قال المأمون لعبد الله بن الحسن العلوي : مابقي من لذتك – يا با علي – ؟قال : اللعب مع الصغير من ولدي ، و محادثة الموتى .فال أبو بكر النقاش – راويه – : يعني : النظر في الكتب .اهـ

وقد ذكر أهل العلم جملة من الفوائد التي تستفاد من هذه التراجم والحكايات, حتى تكون سببا ليشمر المرء على العكوف لقراءتها, من ذلك:
علو الهمة وتباث القلب: قال أحد السلف: “الحكايات جند من جنود الله يثبت الله بها قلوب أوليائه”, وشاهده من كتاب الله تعالى قوله سبحانه: “وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ”.
2- الاقتداء بالسلف والاستفادة والاعتبار بمواعظهم وأحوالهم: يقول ابن الجوزي رحمه الله: “..وعليكم بملاحظة سير السلف, ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم فالاستكثار من مطالعة كتبهم رأية لهم… ولو قلت إني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعد في الطلب.
فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم, وقدر هممهم وحفظهم وعباداتهم, وغرائب علومهم, ما لا يعرفه من لم يطالع” صيد الخاطر.
3- صلاح القلب: قال ابن الجوزي رحمه الله: “رأيت الاسشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سير السلف الصالحين, لأنهم تناولوا مقصود النقل, وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها” صيد الخاطر.
4- معرفة الإنسان قدر نفسه: قال أحد العلماء: “إذا ذكر السلف افتضحنا”, وفي صفة الصفوة قال حمدون القصار رحمه الله: “من نظر في سير السلف عرف تقصيره وتخلفه عن درجات الرجال”.
وذكر عند مخلد بن الحسين رحمه الله أخلاق الصالحين فقال:
لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم *** ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
وقال ابن الجوزي رحمه الله في تلبيس إبليس: “ومن نظر في سير السلف من العلماء العاملين استحقر نفسه, فلم يتكبر”.
5ـ محبة السلف والأئمة: لأن قراءة تراجمهم والوقوف عند أحوالهم تبعث على ذلك فطوبى لمن أحبهم في الله ولله جل وعلا, فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: “المرء مع من أحب”.
إجتماع خلاصة تجارب وعصارة أفكار, ويُطلع على عجائب الأمور وتقلبات الزمان.
قال بعضهم:
إذا علم العبد أخبار من مضى *** توهمته قد عاش من أول الدهر
وقال ابن الجوزي رحمه الله في مقدمة كتابه المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: “واعلم أن في ذكر السير والتاريخ فوائد كثيرة من أهمها أن يطلع بذلك على عجائب الأمور, وتقلبات الزمن وتصانيف القدر, وسماع الأخبار, فالنفس تجد راحة بسماع الأخبار”.
من فوائد ذلك تنزل الرحمات حيث بذكر أحوال السلف والعلماء يحصل في النفوس من الحركة والرغبة إلى الخير واللذة والسرور, فإن هذه الأخيرة رحمة من الله جل وعلا يجعلها في قلوب المؤمنين.
قال ابن تيمية رحمه الله: “الله يعجل للمؤمنين من الرحمة في قلوبهم وغيرها بما يجدونه من حلاوة الإيمان ويذوقونه من طعمه وانشراح صدورهم للإسلام إلى غير ذلك من السرور وبالإيمان والعلم النافع والعمل الصالح” الإقتضاء 1/21.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله: “عند ذكر الصالحين تتنزل الرحمة” التمهيد, ومقدمة صفة الصفوة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “.. فتارة يكون المعلوم محبوبا يلتذ بعلمه وذكره كما يلتذ المؤمنون لمعرفة اله. وذكره، بل ويلتذون بذكر الأنبياء والصالحين، ولهذا يقال: “عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة, بما يحصل بالنفوس من الحركة إلى محبة الخبر والرغبة فيه والفرح به والسرور واللذة” الصفدية 2/269.
نسأل الله حبيباتي أن يمن الله علينا بالعلم النافع والعمل الصالح
والإقتداء بهؤلاء الاخيار في كل أحوالنا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *