لا يوصف العمل من المسلم بالقبول شرعا إلا إذا توفر فيه ركناه: الإخلاص والمتابعة.
فالإخلاص: أن يكون لله تعالى لا نصيب لغير الله فيه، متمحضا من شوب الإرادة لغيره.
والمتابعة: ويقال: الصواب: أن يكون ممّا شرعه الله على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
فشوب النية: يورث الرياء والشرك.
وشوب المتابعة: يورث المعصية والبدعة.
والرياء: مدخل النفاق.
والمعصية: بريد الفسق.
والبدعة: دهليز الكفر.
وبالجملة فإذا اختل ركناه أو أحدهما، صار العمل مردودا غير مقبول، والأدلة على هذا متظاهرة في الكتاب والسنة.
وقد حث السلف على التزام هذين الركنين وصار نعيهم على من شابهما. ومنه حثهم على تصحيح النية في الطلب والبعد عن ابتغاء الشهرة؛ وعَرض الدنيا؛ ونيل المناصب والحصول على الوظائف…
فهذه إيرادات تحطم قوته وتطفئ نوره؛ قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: “من أراد أن يأكل الخبز بالعلم فلتبك عليه البواكي”.
وهذه شذرات من كلامهم في هذا:
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
عبد الرحمن ابن مهدي عن طالوت سمعت إبراهيم ابن ادهم يقول: “ما صدقَ الله عبدٌ أحب الشهرة”
قلت: علامة المخلص الذي قد يحب الشهر ولا يشعر بها أنه إذا عوتب في ذلك لا يحرد(1)، ولا يبرئ نفسه بل يعترف ويقول: رحم الله من أهدى إلي عيوبي؛ ولا يكن معجبا بنفسه لا يشعر بعيوبها؛ بل يشعر أنه لا يشعر؛ فإن هذا داء مزمن”اهـ.
وقال رحمه الله تعالى: ينبغي للعالم أن يتكلم بنية وحسن قصد، فإن أعجبه كلامه فليصمت، وإن أعجبه الصمت فلينطق، ولا يفتر من محاسبة نفسه، فإنها تحب والظهور الثناء.اهـ.
وقال أيضا رحمه الله تعالى:
وسمعته يقول: ابن فارس عن أبي الحسن القطان المتوفى سنة345هـ رحمهما الله تعالى يقول: أُصبت ببصري، وأظن أني عوقبت بكثرة كلامي أيام الرحلة.
قلت: صدق والله، فقد كانوا مع حسن القصد وصحة النية غالباً يخافون من الكلام، وإظهار المعرفة. واليوم يكثرون الكلام مع نقص العلم وسوء القصد؛ ثم إن الله يفضحهم، ويلوح جهلهم وهواهم واضطرابهم فيما علموه؛ فنسأل الله التوفيق والإخلاص. اهـ.
وقال علي بن بكار البصري الزاهد المتوفى سنة 207هـ رحمه الله تعالى: لأن ألقى الشيطان أحب إلي من أن ألقى حذيفة المرعشي؛ أخاف أن أتصنع له فأسقط من عين الله.
وفي ترجمة معمر بن راشد قال: إنَّ الرجل يطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله.
قلت: نعم يطلبه أولاً، والحامل له حب العلم، وحب إزالة الجهل عنه وحب الوظائف، ونحو ذلك، ولم يكن عَلِم وجوب الإخلاص فيه، ولا صدق النية، فإذا علم حاسب نفسه، وخاف من وبال قصده، فتجيئه النية الصالحة كلها أو بعضها، وقد يتوب من نيته الفاسدة ويندم، وعلامة ذلك أنه يُقْصِر من الدعاوى وحب المناظرة، ومن قَصْدِ التَكثُّر بعلمه، ويُزْري على نفسه، فإن تَكَثَّر بعلمه أو قال أنا أعلمُ من فلان فبعداً له. انتهى كلام الذهبي رحمه الله تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لا يحرد: لا يغضب.