قال الله تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) الشورى 13.
قال الإمام ابن جرير: “وعنى بقوله: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) أن اعملوا به على ما شرع لكم وفرض.. وقوله: (وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) يقول: ولا تختلفوا في الدين الذي أمرتم بالقيام به، كما اختلف الأحزاب من قبلكم”.
وقال ابن كثير: “أوصى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالائتلاف والجماعة ونهاهم عن الافتراق والاختلاف”.
وقال الإمام القرطبي: “(أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) أي اجعلوه قائما؛ يريد دائما مستمرا محفوظا مستقرا من غير خلاف فيه ولا اضطراب”.
والدين الذي أمر الله تعالى كافة الأنبياء والرسل بإقامته والاجتماع عليه والتمسك به هو دين واحد هو دين الإسلام الذي ارتضاه الله عز وجل للأولين والآخرين فقال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران 85.
فكل الأنبياء من الأمم السابقة كانوا مسلمين، فقد قال الله تعالى عن نوح عليه السلام: (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يونس 72.
وقال عن إبراهيم: (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ، إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) البقرة 130-132.
ولقد كان قوام الدين الذي دعا الله المرسلين إلى الاجتماع عليه توحيد الله عز وجل وخلع كل المعبودات من دونه قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء 25.
قال الإمام ابن كثير: “فكل نبي بعثه الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له والفطرة شاهدة بذلك أيضا والمشركون لا برهان لهم وحجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد”.
وقال تعالى: “وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ” النحل 36.
وقال: “وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ” الزخرف 49.
ولهذا نجد لأهل السنة وأتباع منهج السلف عناية خاصة بالتوحيد ولا يقبلون الاجتماع إلا عليه فهو أس دعوة الأنبياء وأساسها.
أما غيرهم من المناهج والتيارات فلا يكتفون بتقصيرهم في تعليم التوحيد ونشره وإذاعته بل يزيدون على ذلك بتزهيد الناس في الإقبال عليه فيقولون:
أتركوا التوحيد فإن يفرق الأمة!
كتب التوحيد كتب جافة!
لقد عقدتم الناس بعقيدة التوحيد!
..إلى غير ذلك من العبارات التي لو علم قائلوها مبلغ جرمها وخطرها لما استطاعوا نطقها ومنهم من يقول: إن الشرك قد مضى وانقضى، وإنه لا طائل من الاهتمام بتوحيد العبودية فإن المعركة ينبغي أن تتوجه ضد الشيوعية والإلحاد؟!
نعم المعركة يجب أن تشمل كل دعوة إلحاد أيا كان شكلها، وأن تشمل كذلك كل دعوة تخالف دعوة الأنبياء والمرسلين كمن يدعو غير الله عز وجل ويستغيث به، أو يذبح للأوثان والمقبورين، أو يعلق التمائم لجلب النفع ودفع الضر.. أو يعكف عن أبواب الكهنة والعرافين..، وكيف لا وكل ذلك يعد من الشرك العظيم!
يجب أن نعلم أن كل دعوة قامت على غير التوحيد فهي باطلة أيا كان أصحابها، وكل منهج هوّن أهله من عظمة التوحيد وأولويَّته فهو منهج فاسد..
إن الأمة الإسلامية جمعاء لن تكون لها سيادة ولا ريادة ولا نصر إلا في ظل منهج الأنبياء عليهم السلام الذي كان التوحيد أسه وأساسه، فمن رام أن يكون معهم يوم القيامة فليسلك سبيلهم في الدنيا لقوله تعالى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ، وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ، وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ، وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ، أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) الأنعام 83-90.
والله الهادي إلى سواء السبيل