وقفات مع كتاب التعالم “في الزجر عن حمل الشواذ وغثاثة الرخص” إعداد: عابد عبد المنعم

قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى: المعقود في اعتقاد أهل السنة والجماعة النهي عن حمل الشاذ.

قال الطحاوي رحمه الله تعالى في سياقته له: “ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة”.
وقال: “ونرى الجماعة حقاً وصواباً والفرقة زيغاً وعذاباً”.
وعليه: فإن الإشاعة لغثاثة1 الرخص، والتجسيد للآراء الشاذة؛ وتربية مولودهما “التلفيق” بمعنى جمع الرخص والشواذ من المذاهب، منابذة للاعتقاد السليم بل هي من صنع صنائع العداء، ومحتضنها يكون بأساً على المسلمين وبلاء.
فلله كم تربع على وكر هذه الفتنة من مارد، وأبرزها باسم الشريعة من متحايل على شبه يبديها أو يبتديها، والقلوب ضعيفة والشبه خطافة.
وقد صاح بهذا الضرب جلة العلماء وأبانوا أن من منازل العبودية الأخذ بالعزائم والرخص الشرعية، أما المفتعَلة فهي عن الشرع بمعزل عن عزائمه ورخصه.
وهذا من منازل العبودية؛ أما تتبع رخص المذاهب وشاذ العلم فهو من نواقضها.
قال الشيخ الهروي رحمه الله تعالى في منزلة الرغبة من منازل العبودية: “وتمنع صاحبها من الرجوع إلى غثاثه الرخص”.اهـ
قال ابن القيم (رحمه الله تعالى شارحا لذلك: “أهل العزائم بناء أمرهم على الجد والصدق فالسكون منهم إلى الرخص رجوع وبطالة”اهـ.
وقال أيضا رحمه الله تعالى: “ثم ذلك الخلاف قد يكون قولا ضعيفا فيتولد من ذلك القول الضعيف الذي هو من خطأ بعض المجتهدين وهذا الظن الفاسد الذي هو خطأ بعض الجاهلين: تبديل الدين وطاعة الشيطان ومعصية رب العالمين؛ فإذا انضافت الأقوال الباطلة إلى الظنون الكاذبة وأعانتها الأهواء الغالبة فلا تسأل عن تبديل الدين بعد ذلك والخروج عن جملة الشرائع بالكلية”.
وقال الذهبي رحمه الله تعالى: “وقال شيخ: إن الإمام لمن التزم بتقليده، كالنبي مع أمته، لا تحل مخالفته”.
قلت: قوله لا تحل مخالفته: مجرد دعوى، واجتهاد بلا معرفة، بل له مخالفة إمامه إلى إمام آخر، حجته في تلك المسألة أقوى، لا بل عليه اتباع الدليل فيما تبرهن له، لا كمن تمذهب لإمام، فإذا لاح له ما يوافق هواه، عمل به من أي مذهب كان، ومن يتبع رخص المذاهب، وزلات المجتهدين، فقد رق دينه، كما قال الاوزاعي أو غيره: من أخذ بقول المكيين في المتعة، والكوفيين في النبيذ، والمدنيين في الغناء، والشاميين في عصمة الخلفاء، فقد جمع الشر.
وكذا من أخذ في البيوع الربوية بمن يتحيل عليها، وفي الطلاق ونكاح التحليل بمن توسع فيه، وشبه ذلك، فقد تعرض للانحلال، نسأل الله العافية والتوفيق.
ولكن: شأن الطالب أن يدرس أولا مصنفا في الفقه، فإذا حفظه بحثه، وطالع الشروح، فإن كان ذكيا فقيه النفس ورأى حجج الأئمة، فليراقب الله، وليحتط لدينه، فإن خير الدين الورع، ومن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، والمعصوم من عصمه الله”. اهـ.
وكنت قبل اطلاعي على هذا الشأن أقول وأرشد إليه فكان هذا من ورود الخاطر على الخاطر فالحمد لله على توفيقه.
وقال رحمه الله تعالى في دخولات إسماعيل القاضي على المعتضد العباسي: ودخلت مرة، فدفع إلي كتابا، فنظرت فيه، فإذا قد جمع له فيه الرخص من زلل العلماء، فقلت: مصنف هذا زنديق.
فقال: ألم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: بلى، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء، وما من عالم إلى وله زلة، ومن أخذ بكل زلل العلماء ذهب دينه. فأمر بالكتاب فأحرق. اهـ
ولما كان في الشذوذ والترخيص منابذة للشرع صان السالفون دينهم وعلمهم عن ذلك وقد يقع لدى الواحد منهم، أو في المذهب مسألة، أو المسألتان عن عارض من الاستدلال انقدح بذهنه لا للتشهي، لكن ما يلبث أن يؤوب أو يقف القول عند قائله فيهجر ذلكم الرأي ويسير أهل العلم على الجادة ولله الحمد والمنة.
ولكن من الندرة بمكان أن ترى الجمع منها عند إمام، ومع جلالة القائلين بها فقد تنكبها علماء وهجروها ونابذوا القول بها أشد منابذة حتى أصبحت غير معتبرة في دواوين الإسلام.
أما في المعاصرة فترى فواقر2 الرخص وبواقر3 الشذوذ ويجتمع منها الكثير في الشخص الواحد، وأجواء العصر المادي على أهبة الاستعداد باحتضان عالم الشقاق فتحمل له العلم الخفاق لنشر صيته في الآفاق، فيتغر بذلك أسير الحظ الزائل وما زاد أن صار بوقا ينفخ به العدو الصائل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- الغثاثة: الرداءة.
2- فواقر: جمع فاقرة وهي الداهية.
3- بواقر: جمع باقرة وهي الفتنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *