من مميزات منهج السلف عدم توقير وتعظيم الباطل وأهله نور الدين درواش

من أعظم خصائص منهج السلف، النصيحة لعموم المسلمين بدلالتهم على الخير وتحذيرهم من الشر وهذا دليل الصدق في الحرص على الأمة والسعي لصلاحها واستقامتها.

ومن لوازم النصيحة الصادقة تحذير الأمة من كل داعية سوء عُلم من واقعه الفساد والإفساد والانحراف عن الدين الحنيف القيم، والصراط السوي الرشيد.
ولقد اعتبر أئمة الإسلام من المحدثين الكلام في الرواة تعديلا وجرحا، وقبولا وردا من الواجب الذي تأثم الأمة بتركه.
فعن المَرُّوذِيّ قال: قُلت لِأَبِي عبد الله -يعني الإمام أحمد- ترى للرَّجل أن يشتَغِل بالصوم والصّلاة، ويَسْكُت عن الكلام في أَهل البدع؟ فَكَلَحَ في وجهه، وقال: إذا هو صام وصلى واعتزل الناس أليس إنّما هو لنفسه؟ قلت: بلى! قال: فإذا تكلم كان له ولغيره، يتكلم أفضل” .
“وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: إنه يثقل علي أن أقول: فلان كذا، وفلان كذا. فقال إذا سَكَتَّ أنتَ وسكتُّ أنا، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟” مجموع الفتاوى 28/231 .
فهذا في الرواية التي قد يُتَكلم في صاحبها مع صلاحه واستقامته، فيُبن ما فيه من وهم أو خطأ أو اختلاط أو سوء حفظ.. أما البدعة فكان الموقف منها أوضح وأشد؛ قال ابن القيم رحمه الله: “..ولهذا اشتد نكيرُ السلف والأئمة لها (أي: للبدع)، وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض، وحذَّروا فتنتَهم أشدَّ التحذير، وبالغوا في ذلك بما لم يبالغوا في إنكار الفواحش والظلم والعدوان؛ إذ مضرةُ البدع وهدمُها للدين ومنافاتُها له أشدُّ” .
إن “تلميع” أهل الباطل وأهل البدع ورؤوس الحزبية ونشر “محاسنهم” و”فضائلهم” وتلقيبهم بالألقاب “الفخمة” كالعلامة والإمام والمحقق.. تعتبر خيانة للأمة وتغريرا بها فإن عوام الناس يتأثرون بهذا ويحسبون هؤلاء المنحرفين على حق فيتبعونهم.
روى أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يَكُ سيدا فقد أسخطتم ربكم عز وجل”.
ففي نهيه صلى الله عليه وسلم عن تسييد المنافقين تحذير من تلميعهم وتقديمهم للأمة في صورة الصالحين المصلحين، وهذا ليس خاصا بالمنافق، بل يدخل في حكمهم أهل البدع والمعاصي إذا لا يجوز أن يُسدل عليهم ثوب التبجيل والاحترام والتقدير ولهذا ترجم الإمام النووي في رياض الصالحين لهذا الحديث: (باب النهي عن مخاطبة الفاسق والمبتدع ونحوهما بسيد ونحوه).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين” رواه مسلم.
قال الإمام الشاطبي رحمة الله عليه: “إن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم:
– إحداهما: التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته، دون اتباع أهل السنة على سنتهم.
– الثانية: أنه إذا وقـّر من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء” الاعتصام 1/114.
قال الشيخ مصطفى السليماني: “أهل السنة ينكرون المنكر بجميع صوره، ويعطون لكل منكر قدره في الإنكار -حسب الاستطاعة الشرعية- ولا يتركون النصيحة لمن يناصرهم في إزالة منكر -إذا وجدوا المجال لذلك مناسبًا-، وأما غيرهم فلربَّما وَالَى باطلاً ضد باطل آخر، أو أعطى أهله فوق قدرهم، مما يؤدي إلى قوة شوكة أهل الباطل، وفرق بين الاستفادة من فاجر في نصرة الدين، وبين الترقيق من بدعته وفجوره، أو “تلميع” شأنه، مما يؤدى إلى تمكنه وظهوره”.
فإذا كان علماؤنا قد حذروا من “منهج الموازنات” الفاسد القائم على اشتراط ذكر حسنات أهل البدع والمخالفين، في مقام الرد عليهم والتحذير منهم، فكيف نرتضي نحن الأسوأ من ذلك والأشر منه، وهو الاكتفاء بذكر حسناتهم وتقديم الواحد منهم للأمة على أنه المصلح والمجدد والعلامة..؟
ومن مظاهر تعظيم أهل البدع، إطلاق الألقاب الحسنة المشعرة بالتعظيم عليهم، وتكنيتهم التي تعتبر نوع تكريم، واستقبالهم بالبشر والطلاقة، وتقديمهم في المجالس والتلطف في الكلام معهم ودعوتهم للطعام وتهنئتهم في المناسبات، ومشاورتهم والاستئناس بآرائهم.. .
فليتق الله دعاة البدع وأهلها ومشجعو الفتن وأصحابها، الذين يحرصون على السباحة ضد تيار السنة وعلمائها، فيهونون من قدر الأئمة الأكابر وعلمهم بدعوى ترك التقليد والتحرر، وبالمقابل يرفعون في علياء السماء المبتدعة الأصاغر بزعم أن “الحكمة ضالة المؤمن”.. فإن هذا لعمر الله هو عين ما أَصَّله الحزبيون حين قالوا: “نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه”.
والله المستعان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *