قال ابن فارس: “بدع: الباء والدال والعين أصلان: أحدهما: ابتداء الشيء وصُنعه لا عن مثال، والآخر الانقطاع والكَََلال، فالأول قولهم: أبدعت الشيء قولا أو فعلا، إذا ابتدأته لا عن سابق مثال، و”بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ” ، والعرب تقول: ابتدع فلان الرَّكِيَّ إذا استنبطه، وفلان بِدع في هذا الأمر، قال تعالى: “قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ” أي ما كنت أول” معجم مقاييس اللغة 1/209.
قال أبو بكر الطرطوشي: “أصل هذه الكلمة من الاختراع، وهو الشيء يحدث من غير أصل سبق، ولا مثال احتذي، ولا أُلِفَ مثله ومنه قوله تعالى: “بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ” وقوله: “قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ” أي لم أكن أول رسول إلى أهل الأرض” الحوادث و البدع ص 40.
قال شيخ الإسلام: “البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب، فأما ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب، وعُلم الأمرُ به بالأدلة الشرعية فهو من الدين الذي شرعه الله، وإن تنازع أولو الأمر في بعض ذلك، سواء كان هذا مفعولا على عهد النبي صلى الله عليه و سلم، أو لم يكن” مجموع الفتاوى 4/107-108.
قال الشاطبي: “البدعة عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه” الاعتصام1/37.
والمتأمل في تعريف البدعة يتبين له أن البدعة إحداث في الدين فلا يدخل فيها ما أحدث من العادات بغير قصد التعبد، بل إن هذه أمورا حث الشارع على الاهتمام بالنافع منها والاجتهاد فيه ووكل أمره إلينا إذ الأصل في العادات الإباحة إلا ما خالف نصوص الشرع، فلا يُقال لمن اهتم بالتحذير من البدع: مالك لا تُحذر من السيارة والقطار والجوال.. بدعوى أنها لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه و سلم، فإن هذا قول من لم يشم رائحة العلم.
وكذلك فإن البدعة هي ما أحدث بقصد التقرب مخالفا لما شرعه الله عز وجل إما باعتبار السبب أو الزمان أو المكان أو العدد أو الكيف أو الجنس. وبه تعلم أنه لا يدخل في البدع المعاصي فإن المعصية هي الذنب الذي حرمه الله عز وجل إما في القرآن أو في السنة.. كالزنا والربا والخمر والميسر والتبرج وغيرها.
وقد عاب بعض المحسوبين على العلم في بلادنا على السلفيين اهتمامهم وتركيزهم على التحذير من البدع والتنفير منها، واعتبر ذلك منقصة ومسبة وعلامة على انحرافهم، وهذا يدل على غياب التأصيل العلمي الشرعي عند هذا الرجل، فإنه لو درس نصوص القرآن والسنة المحذرة من البدع وأهلِها، وتتبع آثار سلف الأمة في ذلك، لما كان منه هذا الرأي الشاذ، والكلام الباطل، حُيال أمر كان ينبغي أن يكون هو في طليعة المهتمين به، وإن تقصيره فيه لدليل على بعده عن الجادة وعلى غياب الأهلية عنده، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: “إذا أُسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة”
فإن خطر البدعة أعظم من خطر المعصية؛ إذ العاصي يَعلم أنه مقيم على ما يُسخط الله ويستشعر أنه مخالف لما يرضيه سبحانه، أما المبتدع فإنه يحسب نفسه قريبا من الله بعيدا عما يغضبه، فيسلك طريق الهلاك ظانا نفسه سالكا سبيل النجاة فيكون من: “الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً” .
ولهذا قال الشافعي -رحمه الله-: “لأن يلقى اللهَ العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك خيرٌ له من أن يلقاه بشيء من الأهواء”.
والمبتدع مستدرك على الشريعة، وغير راض ولا قانع بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأن الدين اكتمل والشريعة تمت فلا زيادة على ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال:”ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّنَ لكم” رواه الطبراني.
قال ابن الماجشون -رحمه الله-: “سمعت مالكًا -رحمه الله- يقول: “من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لأن الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا” .
ولقد تفطن أعداؤنا -مع الأسف- لخطر البدعة علينا واستحالة غلبة المسلمين عليهم ماداموا بالبدع متمسكين وعن المنهاج النبوي الصحيح متخلين، فقد ورد في تقرير “رانـــد RAND ” الأمريكي للعام الماضي ما يدل على ذلك وسنعود له بتفصيل في حلقة قادمة بحول الله تعالى.