السلفية؛ هي الامتداد الصحيح للإسلام المتصل بالسلف الصالح -علما وعملا-.
والسلف الصالح في اصطلاح العلماء؛ هم: الصحابة ومن تبعهم بإحسان من التابعين وأتباعهم، ويدخل فيهم الأئمة الأربعة.
وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم؛ أن هذا الحبل سيبقى متصلا من خلال طائفة من أمته لن تزال على الحق ظاهرة إلى قيام الساعة:
عن معاوية رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس”( ).
إن هذا الحديث؛ كما دل بمنطوقه على أن طائفة من هذه الأمة ستبقى قائمة بأمر الله؛ أي: دينه الذي رضيه للناس؛ فإنه دل بمفهومه أن طوائف من الأمة ستنحرف عن ذلك؛ وقد جاء التصريح بهذا في حديث الافتراق المشهور؛ الذي بين فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تلك الطائفة القائمة بأمر الله، هي من بقي على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “لكن لمَّا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة؛ كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، وفي حديث عنه أنه قال: “هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي”( )؛ صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة؛ .. وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم؛ حتى تقوم الساعة”( ).
“وقد كان المسلمون الأوائل -وهم الصحابة رضي الله عنهم- قبل بزوغ بذرة التفرق والانشقاق ليس لهم اسم يتميزون به لأنهم يمثلون الإسلام والامتداد الطبيعي له، لكن لما حصلت تلك الفرق الضالة… منتسبة إلى الإسلام، منشقة عن العمود الفقري للمسلمين، ظهرت ألقابهم الشرعية المميزة، سواء ما كان من الأسماء ثابتا لهم بأصل الشرع: الجماعة، جماعة المسلمين، الفرقة الناجية، الطائفة المنصورة، أو بواسطة التزامهم بالسنن أمام أهل البدع، ولهذا حصل الربط لهم بالصدر الأول، فقيل لهم: السلف، أهل الحديث، أهل الأثر، أهل السنة والجماعة”( ).
وهكذا يتضح لنا أن الانتساب إلى السلف معناه: الانتساب إلى الرعيل الأول الذي نزل الوحي بمدحه والحث على اتباعه:
قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100].
وعن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم”( ).
ويمكن أن نجمل أصول السلفية في أمرين اثنين:
1- التمسك بالإسلام والعمل به على منهاج (أي: طريق) السلف الصالح الذين شهد لهم الوحي المعصوم بالخيرية.
2- التزام العلماء بأصول السلف الصالح وقواعدهم في فهم النص واستنباط معانيه.
وعلى هذين الأصلين سار الأئمة الأربعة، مما يبين النسبة بين السلفية والمذاهب الفقهية المعتبرة؛ فهي جزء من السلفية، وليست هذه الأخيرة مذهبا محدثا كما يوهم خصومها.
كما أن السلفية لا تمثل طائفية حزبية، بل هي منهاج وطريقة قائمة على اتباع المعصوم والاعتصام بالاتباع المأمور به في قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف/3]
وهي بهذا تشمل عموم المسلمين؛ وعلى رأسهم: العلماء المتّبِعون ثم عامة الناس، الذين يمثلون السواد الأعظم من الأمة، وإنما يخرج منها الأفراد والطوائف الذين تخندقوا في طائفة أو حزبية ضيقة تتبنى -إحداثا أو تعصبا- أصلا مبتدعا في الدين يناقض القرآن والسنة.
والمقصد الأساسي للدعوة السلفية؛ هو التجديد والإصلاح بمفهوميهما الشرعيين الذين تتابع على بيانهما العلماء:
* وأصل التجديد الشرعي؛ قوله صلى الله عليه وسلم:
“إن الله عز وجل يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”. [رواه أبو داود وصححه الألباني]
وركنا هذا التجديد:
1- إحياء ما ضعف من ثوابت الإسلام في العقيدة والاتباع.
2- تفعيل آلية الاجتهاد الشرعي التي تجعل الأحكام التكليفية مستوعبة للمتغيرات ومواكبة للتطور الإنساني المتواصل، وذلك وفق قواعده وضوابطه دون تفلت أو تحجير.
* وأصل الإصلاح الشرعي؛ قوله صلى الله عليه وسلم:
“يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”. [رواه البيهقي وصححه الألباني]
وأركانه ثلاثة:
1- التركيز على بيان العقيدة الإسلامية الصافية والتحذير مما يضادها، باعتبارها أساس الصلاح؛ وهو منهج الأنبياء قادة الإصلاح في العالم؛ قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء/25]
2- الحث على لزوم السنة في كل الأقوال والأفعال والأحوال؛ باعتبار الهدي النبوي أفضل الهدي؛ فالمراد بالسنة هنا؛ معناها الأعم؛ وهو: طريقة النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب/21]، ويكمل هذا الركن التحذير من المحدثات والبدع.
3- الحث على التزام منهاج -أي: أصول وقواعد- السلف الصالح في استنباط معاني النص الشرعي [اتباع سبيل المؤمنين]، وما يكمل ذلك من التحذير من المناهج المنحرفة التي أفرزت الفرق والطوائف الضالة المشار إليها في الحديث. قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء/115]
.. لعل ما تقدم كاف لتوضيح ماهية السلفية، والنأي بها عن المعاني الضيقة؛ كتلك التي يفسرها بها كتاب وباحثون علموا شيئا وغابت عنهم أشياء، وآخرون وُظّفوا لخدمة مشروع ما، يتدثر بالبحث العلمي والدراسات الاستراتيجية؛ فحصروا السلفية في حركة معينة، أو حزبية ضيقة، أو ولاء مزعوم، أو نمط سلوكي محدد، .. إلـخ.
وفي الحلقة القادمة إن شاء الله؛ نتحدث في موضوع “السلفية والسلفيين” ..