مرة أخرى يخرج علينا الأستاذ عدنان إبراهيم بغرائب جديدة تؤكد تخبطه هدانا الله وإياه في مسائل لا يعرفها؛ فإنه زعم أن عمر بن الخطاب أوصى بأن لا يلي معاوية شيئا من أمور الخلافة؛ واحتج بما ذكره ابن الأثير في أسد الغابة عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمر أنه قال: هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد؛ ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد؛ ثم في كذا وكذا وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شيء. قال ابن الأثير: أخرجه الثلاثة.
وأعاد عدنان ذكر هذا: أخرجه الثلاثة ثم أشار إلى أنه اصطلاحه… وأريد فقط التنبيه إلى أن قوله: أخرجه الثلاثة لا يعني به أنهم أخرجوا الخبر الذي ذكره بل قصده أن هذه الترجمة مذكورة عندهم! وأستنكر من عدنان أنه لم يبين ذلك لمتابعيه!!
أما الخبر فرواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/342 عن حسين بن عمران عن شيخ عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمر قال: (هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد، ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد، وفي كذا وكذا وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شيء) وفيه شيخ مبهم لا يعرف من هو وحسين بن عمران مختلف فيه .
ورواه البلاذري في أنساب الأشراف (10/434/دار الفكر) من طريق عن الواقدي عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله قال: قال عمر رضي الله تعالى عنه: إن هذا الأمر لا يصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما طمع يزيد بن أبي سفيان ومعاوية أن أستعملهما على الشام) والواقدي متروك الحديث.. والمطلب بن عبد الله بن حنطب لم يدرك عمر.. وكثير بن زيد الأسلمي قال فيه ابن حجر: صدوق يخطئ !!!
وذكر خبرا عن الأسود بن يزيد فيه إشارة إلى مقصد معاوية من قتال علي رواه ابن عساكر بإسناده عن أبى داود الطيالسي ثنا أيوب بن جابر عن أبى إسحاق عن الأسود بن يزيد قال قلت لعائشة ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلافة قال الأسود بن يزيد لعائشة: ألا تعجبين من رجل طليق ينازع أصحاب محمد الخلافة؟
وأيوب بن جابر اليمامي ضعيف الحديث، ومثله لا يحتمل التفرد في مثل هذا، وأبو إسحاق السبيعي اختلط بأخرة.. !
– ومن المسائل التي أثارها الأستاذ عدنان موقف معاوية من قتلة عثمان… فقد ذكرت الروايات أن معاوية لم يقتلهم.. وقول العلماء أنه اكتشف أن طلبهم سينتج مفاسد أعظم من مصلحة إقامة الحد عليهم.. وهذا دليل آخر على أن معاوية كان على خطئ …
وأما عدنان فزعم أنه لم يكن ابتداء يطالب بدمه ولأجل ذلك ترك المطالبة بدمهم، واحتج بما ذكره ابن تيمية في منهاج السنة (4/408) فإنه قال: (ومع هذا فلم يقتل قتلة عثمان الذين كانوا قد بقوا بل روى عنه أنه لما قدم المدينة حاجا فسمع الصوت في دار عثمان يا أمير المؤمنيناه يا أمير المؤمنيناه؛ فقال: ما هذا؟ قالوا: بنت عثمان تندب عثمان، فصرف الناس ثم ذهب إليهم فقال: يا ابنة عم إن الناس قد بذلوا لنا الطاعة على كره؛ وبذلنا لهم حلما على غيظ؛ فإن رددنا حلمنا ردوا طاعتهم؛ ولأن تكوني بنت أمير المؤمنين خير من أن تكوني واحدة من عرض الناس؛ فلا أسمعنك بعد اليوم ذكرت عثمان).
وأعجبه كلام ابن تيمية جدا وأظهر فرحه به.. وعرضه في سياق بيان قصد معاوية الحقيقي من قتال علي وأنه كان طالبا للخلافة لا طالبا لدم عثمان.. فاستدل بترك معاوية قتل قتلة عثمان على أنه لم يقصد ذلك ابتداء ولذلك أمر بنت عثمان أن تكف عن ذكر عثمان…!
لكنه ارتكب خطأ أو دلس.. لست أدري فإنه لو كان استمر في حكاية كلام ابن تيمية لوجد التالي في الصفحة (409): (وإن كان معاوية معذورا في كونه لم يقتل قتلة عثمان إما لعجزه عن ذلك أو لما يفضى إليه ذلك من الفتنة وتفريق الكلمة وضعف سلطانه، فعلى أولى أن يكون معذورا أكثر من معاوية إذ كانت الفتنة وتفريق الكلمة وضعف سلطانه بقتل القتلة لو سعى في ذلك أشد).
فلم يذكر ابن تيمية احتمال أن يكون سبب تركه المطالبة بدم عثمان عدم قصد المطالبة به أصلا..!
وأما ما ذكره ابن تيمية واتكل عليه عدنان فرواه العقيلي في الضعفاء الكبير (3/421)… قال: حدثنا يحيى بن عثمان حدثنا أبو صالح حدثني الليث حدثني علوان بن صالح عن صالح بن كيسان أن معاوية بن أبي سفيان…!
وعلوان بن داود -وقيل بن صالح- منكر الحديث كما البخاري وغيره…! ولذلك قال العقيلي عقب روايته للخبر: (ولا يعرف علوان إلا بهذا مع اضطراب الإسناد ولا يتابع عليه).. ومعنى قول العقيلي: لا يتابع عليه..أي أن الرواية ضعيفة جدا جدا!!
فليتق الأستاذ عدنان إبراهيم الله جل وعلا… وليكف عن الناس أساليبه هذه.. وليكتف بالرد على الملاحدة وغيرهم.. فقد كنا في غنى عن الرد عليه ومناقشته ولكن الله قدر… ولعل في هذا خير بالتأكيد.