أمر الله تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في غير ما آية ببلاغ أمور الرسالة منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.
وقد شهد الصحابة رضوان الله عليهم للنبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تركتُ فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به؛ كتاب الله، وأنتم تُسألون عني فما أنتم قائلون؟”.
قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: “اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاث مرات..” رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل الله فقد كذب والله يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ}” رواه البخاري.
وقالت: “لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الوحي لكتم: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاه} أخرجه ابن جرير في تفسيره.
قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}. (المائدة :3).
فهذه الآية أصل في كمال الدين، ولا يكمل الدينُ الرباني إلا بتمام البلاغ النبوي، قال شيخ الإسلام: “ومعلوم أنه قد بلغ الرسالة كما أُمر ولم يكتم منها شيئا؛ فإن كتمان ما أنزله الله إليه يناقض موجب الرسالة؛ كما أن الكذب يناقض موجب الرسالة. ومن المعلوم من دين المسلمين أنه معصوم من الكتمان لشيء من الرسالة كما أنه معصوم من الكذب فيها” مجموع الفتاوى 5/156.
ثم ليُعلم أن مذهب أهل السنة والجماعة أن من اعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتم شيئا من الوحي فقد كفر؛ قال أبو محمد بن حزم: “..اعلموا أن رسول الله صلى الله عليهم لم يكتم من الشريعة كلمة فما فوقها، ولا أطلع أخص الناس به من زوجة أو ابنة عم أو ابن عم أو صاحب على شيء من الشريعة كتمه عن الأحمر والأسود ورعاة الغنم، ولا كان عنده عليه السلام سرٌ ولا رمز ولا باطن غير ما دعا الناس كلهم إليه، ولو كتمهم شيئا لما بلغ كما أُمر، ومن قال هذا فهو كافر، فإياكم وكل قول لم يبن سبيله ولا وضح دليله، ولا تعْوَجُّوا عما مضى عليه نبيكم صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم” الفصل في الملل والأهواء والنحل 2/116
وقد حاد عن هذا كل أهل البدع حيث وقعوا فيما لازمه اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بكتمان الوحي فإنهم ابتدعوا أمورا لم يكن عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته، وزعموا أنها من الدين وأنها خير… وقد صدق فيهم قول الإمام مالك رحمه الله: “من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة..”.
فمن زاد على ما جاء به الشارع فلازم زيادته اتهام الشريعة بالنقصان أو دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ عن ربه كل ما أوحى إليه، وحاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم.
وقد أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “إنه لم يكن نبي قبلي إلاَ كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم” رواه مسلم.
فالغلاة ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته من الأوراد والعقائد والأخبار ما فيه اتهام له صلى الله عليه وسلم بعدم تبليغ الرسالة.
جاء في جواهر المعاني (140/1) :”وسألته رضي الله عنه -أي التيجاني-: هل خبر سيد الوجود بعد موته كحياته سواء؟ فأجاب رضي الله عنه بما نصه: الأمر العام الذي كان يأتيه عاما للأمة طوي بساط ذلك بموته صلى الله عليه وسلم وبقي الأمر الخاص الذي كان يلقيه للخاص فإن ذلك في حياته وبعد مماته دائما لا ينقطع”.
أما الشيعة فلهم في ذلك اليد الطولى والقدح المعلى فهذا إمامهم الخميني يقول: “وواضح أن النبي لو كان قد بلغ بأمر الإمامة طبقا لما أمر به الله وبذل المساعي في هذا المجال لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك ولما ظهر ثمة خلافات في أصول الدين وفروعه” (كشف الأسرار ص:155(.
فهذه هي حقيقة الشيعة الروافض الذين يزعمون بعث الروح الإسلامية وإحياء الخلافة النبوية وأنى لهم ذلك والله المستعان.