العبادة لله وحده ومن صرف نوعا من أنواعها لغيره فقد وقع في الشرك

 

اعلم أن حقيقة العبودية لله تعالى صرف جميع أنواع العبادة له وحده لا شريك له, كما قال تعالى: “وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً”.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره للآية: “وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا” أيها الناس “مَعَ اللَّهِ أَحَداً” ولا تشركوا به فيها شيئا, ولكن أفردوا له التوحيد, وأخلصوا له العبادة, عن قتادة: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعهم أشركوا بالله. فأمر الله نبيه أن يوحد الله وحده” تفسير ابن جرير 23/665.
فالآية -إذن- دليل على إيجاب إفراد الله تعالى بالعبادة, وهذه الأخيرة على كثرة أنواعها ترجع إلى أسس ثلاثة:
أولا: عبادة القلب وهي: اعتقاده الجازم, وشهوده بأنه لا إله إلا الله, ولا رب سواه, وأن محمدا عبده ورسوله, والتصديق الجازم بالأركام الإيمانية الستة.
ثانيا: عبادة الأعمال وهي تأدية الأعمال التي أمر الله بها والانتهاء عما نهى الله عنه.
ثالثا : عبادة الأقوال وهي: تأدية ما شرعه الله من التلاوات والأدعية والأذكار وكفّ اللسان عما نهى الله عنه.
فمن صرف شيئا من ذلك لغير الله تعالى فقد وقع في الشرك عياذا بالله.
قال تعالى: “وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ” المؤمنون117.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره للآية: “يقول تعالى متوعدا من أشرك به غيره وعبد معه سواه ومخبرا أن من أشرك بالهث لا برهان له, أي لا دليل على قوله فقال تعالى: “وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ” وهذه جملة معترضة, وجواب الشرط في قوله: “فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ” أي الله يحاسبه على ذلك ثم أخبر “إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ” أي: لديه يوم القيامة, لا فلاح لهم ولا نجاة” 3/270.
وهذا الوصف: “لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ” إنما هو قيد لبيان الواقع الذي لا ينفك عنه دعاء إله مع الله, فلا يفهم منه أنه قد يكون مع المشرك يوما برهان له به.
ونقل القاسمي في محاسن التأويل 7/106 عن الزمخشري أنه قال: “وقوله “لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ” كقوله “مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً” وهي صفة لازمة, جيء بها للتوكيد لا أن يكون في الآلهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان”.
يقول الناظم:
ونوعن عبادة الرحمن *** بإسلامنا إيماننا الإحسان
وصرفه لغيره فمنكر *** وفاعل له بذلك يكفر
دليله في (المؤمنون) يتلى *** وقل لمن يأباه: أولى أولى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *