أهمية الإيمان بالقضاء والقدر

الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان التي وردت في قوله صلى الله عليه وسلم عندما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان: “أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره” رواه مسلم، وقد ورد ذكر القدر في القرآن في قوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر:49. وقوله سبحانه: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) الطلاق:40.
والقضاء في اللغة: هو إحكام الشيء وإتمام الأمر، وأما القدر فهو في اللغة: بمعنى التقدير.
وفي الشرع: القدَر: هو تقدير الله تعالى الأشياء في القِدَم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة، وكتابته سبحانه لذلك، ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها، وخَلْقُه لها.
وحقيقة الإيمان بالقضاء هي: التصديق الجازم بأن كل ما يقع في هذا الكون هو بتقدير الله تعالى.
والإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان ولا يتم إيمان أحد إلا به، ففي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه بلغه أن بعض الناس ينكر القدر فقال: “إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني براء منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر (أي: يحلف بالله) لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا ثم أنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر”.
مراتب القدر
ولا يصح الإيمان بهذا الركن العظيم حتى يتحقق الإيمان بمراتب القدر الأربع وهي:
أ ـ مرتبة العلم: وهي الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وأن الله قد علم جميع خلقه قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون بعلمه القديم وأدلة هذا كثيرة منها قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) الحشر/22، وقوله تعالى: (وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) الطلاق/12.
ب ـ مرتبة الكتابة: وهي الإيمان بأن الله كتب مقادير جميع الخلائق في اللوح المحفوظ. ودليل هذا قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحج/16.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “كتب الله مقادير الخلائق قبل أن تخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة” مسلم:2653.
ج ـ مرتبة الإرادة والمشيئة: وهي الإيمان بأن كل ما يجري في هذا الكون فهو بمشيئة الله سبحانه وتعالى؛ فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يخرج عن إرادته شيء.
والدليل قوله تعالى: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الكهف/23،24 وقوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) التكوير/29.
د ـ مرتبة الخلق: وهي الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد، فلا يقع في هذا الكون شيء إلا وهو خالقه، لقوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) الزمر/62. وقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون) الصافات/96.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يصنع كل صانع وصنعته” أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد، وابن أبي عاصم في السنة 257-358 وصححه الألباني في الصحيحة:1637.
قال الشيح ابن سعدي ـرحمه اللهـ: “إن الله كما أنه الذي خلقهم -أي الناس-، فإنه خلق ما به يفعلون من قدرتهم وإرادتهم؛ ثم هم فعلوا الأفعال المتنوعة: من طاعة ومعصية، بقدرتهم وإرادتهم اللتين خلقها الله). الدرة البهية شرح القصيدة التائية ص:18.
ومن لوازم صحة الإيمان بالقدر أن تؤمن:
– بأن للعبد مشيئة واختياراً بها تتحقق أفعاله كما قال تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم) التكوير/28 وقال سبحانه: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) البقرة/286.
– وأن مشيئة العبد وقدرته غير خارجة عن قدرة الله ومشيئته فهو الذي منح العبد ذلك وجعله قادراً على التمييز والاختيار كما قال تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) التكوير/29.
– وأن القدر سر الله في خلقه فما بينه لنا علمناه وآمنا به وما غاب عنا سلمنا به وآمنا، وألا ننازع الله في أفعاله وأحكامه بعقولنا القاصرة وأفهامنا الضعيفة بل نؤمن بعدل الله التام وحكمته البالغة وأنه لا يسأل عما يفعل سبحانه وبحمده.
وبعد فهذا مجمل اعتقاد السلف الصالح في هذا الباب العظيم.
التحذير من الخوض بالعقل في مسائل القدر
الإيمان بالقدر هو المحك الحقيقي لمدى الإيمان بالله تعالى على الوجه الصحيح، وهو الاختبار القوي لمدى معرفة الإنسان بربه تعالى، وما يترتب على هذه المعرفة من يقين صادق بالله، وبما يجب له من صفات الجلال والكمال، وذلك لأن القدر فيه من التساؤلات والاستفهامات الكثيرة لمن أطلق لعقله المحدود العنان فيها، وقد كثر الاختلاف حول القدر، وتوسع الناس في الجدل والتأويل لآيات القرآن الواردة بذكره، بل وأصبح أعداء الإسلام في كل زمن يثيرون البلبلة في عقيدة المسلمين عن طريق الكلام في القدر، ودس الشبهات حوله، ومن ثم أصبح لا يثبت على الإيمان الصحيح واليقين القاطع إلا من عرف الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، مسلِّماً الأمر لله، مطمئن النفس، واثقاً بربه تعالى، فلا تجد الشكوك والشبهات إلى نفسه سبيلاً، وهذا ولا شك أكبر دليل على أهمية الإيمان به من بين بقية الأركان.
وأن العقل لا يمكنه الاستقلال بمعرفة القدر فالقدر سر الله في خلقه فما كشفه الله لنا في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم علمناه وصدقناه وآمنا به، وما سكت عنه ربنا آمنا به وبعدله التام وحكمته البالغة، وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *