المتأمل في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدرك دونما أدنى مواربة المنزلة السامية والمكانة الرفيعة التي يتبوؤها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك بأنهم آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله فلهم في عنق كل مسلم منَّة، وعند كل مؤمن يد، فعن طريقهم وصل إليه الإسلام والهدى والنور.
قال النووي رحمه الله: “وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل ولا تنال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بالقياس، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء” شرح مسلم.
وفي شذرات الذهب سئل الإمام أحمد رحمه الله أيهما أفضل معاوية رضي الله عنه أم عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال: “لغبار لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرٌ من عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأماتنا على محبته”.
ولذا كان سبُّ الصحابة أو أحدهم مسلك خطير واعتقاد مرير، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من سبَّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمع” حسنه الشيخ الألباني كما في الصحيحة..
وفي الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: “لا تسبوا أحدا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه”.
وسبُّ الصحابة رضوان الله عليه دركات بعضها شرٌّ من بعض وإليك البيان:
أولا: إن سب الصحابة بالكفر والردة أو الفسق جميعهم أو معظمهم، فهذا كفر أكبر، لأن لازم هذه المقولة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وبذلك يقع الشك في القرآن والحديث، لأن الطعن في النقلة طعن في المنقول، كما أن في ذلك تكذيب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم لتزكيتهما لهم، كما نص على ذلك غير واحد من أهل العلم كابن تيمية والهيثمي في آخرين.
ثانيا: من سب بعضهم سبا يطعن في دينهم كأن يتهمهم بالكفر أو الفسق وكان ممن تواثرت النصوص بفضله كالخلفاء فذلك كفر على الصحيح، لما فيه من التكذيب للأمر القطعي، وهو مذهب سحنون، ومن لم يحكم بكفره من أهل العلم أجمعوا على أنه من أهل الكبائر ويستحق التعزير،كما حكاه ابن تيمية والهيثمي في آخرين.
ثالثا: من سب صحابيا لم يتواتر النقل بفضله سبا يطعن في دينه فمذهب الجمهور أنه فاسق لا يكفر، إلا إذا سبه من حيث صحبته للنبي عليه الصلاة والسلام.
رابعا: من سب بعضهم سبا لا يطعن في دينهم وعدالتهم كوصفهم بالبخل، أو الجبن، أو ضعف الرأي والشخصية، أو قلة المعرفة بالسياسة، فهذا يستحق التأديب والتعزير ولا يحكم بكفره بمجرد ذلك. انظر الصارم المسلول.
خامسا: من سب عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فقد أجمع أهل العلم أنه يكفر، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد كالقاضي أبي يعلى والحافظ ابن كثير وغيرهما.
قال الإمام مالك رحمه الله: “من سب أبا بكر جلد، ومن سب عائشة قتل، قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن” الشفا.
قال ابن حزم: قول مالك هاهنا صحيح وهي ردة تامة وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها.
سادسا: من قذف بقية أمهات المؤمنين، فهذا محل خلاف والراجح الذي عليه الأكثر كفر فاعل ذلك، لأن المقذوفة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك فإن في ذلك تنقيصا وأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقذف حليلته. انظر البداية والنهاية، والشفا، والصواعق المرسلة.
أما سبهن سبا غير ذلك فحكم ذلك كحكم سب الصحابة على ما مر تفصيله.
قال أبو زرعة الرازي: “إذا رأيت الرجل يتنقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة” الكفاية للخطيب.
وقال الإمام مالك رحمه الله: “إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمكنهم ذلك فقذفوا في أصحابه حتى يقال رجل سوء ولو كان صالحا لكان أصحابه صالحين” الصارم المسلول.
وقال أبو نعيم رحمه الله: “لا يبسط -هو- لسانه فيهم إلا من سوء طويته في النبي والإسلام والمسلمين” الإمامة.