شابت عقائد المسلمين عند كثير من الناس جملة من الشوائب التي ذهبت ببهاء العقيدة الصحيحة وبصفاء التوحيد, خاصة فيما يتعلق بتوحيد الألوهية والعبادة, حيث نرى الاستغاثة بغير الله, والنذر لسواه, ودعاء غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو.. إلى غير ذلك مما يناقض كلمة الإخلاص.
يقول المقريزي رحمه الله: “اجتمعت الخلائق كلها على توحيد الربوبية واختلفوا في توحيد الألوهية فكان توحيد الألوهية، مفرق طرق بين المؤمنين والمشركين” تجريد التوحيد.
ومن ثم كانت معرفة الله والعلم به والتوجه إليه هي نقطة البداية الصحيحة في المسيرة الإنسانية، والضلال عن الله والجهل به هو نقطة الضياع في الحياة البشرية, فالعقيدة الصحيحة –إذن- قاعدة يبنى عليها بناء هائل, وأصل لا يغني عنه غيره, فإذا قام البناء على غير قاعدة كان بناء ضعيفا مختلا, وفي كثير من الأحيان يقتل من بناه, ويدمر من سكنه.
يقول ابن تيمية رحمه الله: “التوحيد أصل كل خير وجماعه, والشرك أصل كل شر وجماعه”.
وقال كذلك: “فأصل الصلاح: التوحيد والإيمان, وأصل الفاسد: الشرك والكفر” الفتاوي 18/163.
ولذلك كان “التوحيد هو أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق, وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله تعالى.. ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله, لا النظر ولا القصد إلى النظر, ولا الشك… فالتوحيد أول ما يدخل به الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا فهو أول واجب وآخر واجب” شرح العقيدة الطحاوية 1/21.
يقول حافظ حكمي رحمه الله:
أول واجب على العبيد معرفة الرحمن بالتوحيد
ويقول العلامة صديق حسن خان رحمه الله: “اعلم أن فاتحة الكتاب العزيز التي يكررها كل مسلم في كل صلاة مرات, ويفتتح بها التالي لكتاب الله والمتعلم له, فيها الارشاد إلى إخلاص التوحيد في ثلاثين موضعا” الدين الخالص 1/9.
“والتوحيد -كذلك- هو فاتحة القرآن العظيم, وهو خاتمته فهو فاتحة القرآن كما في أول سورة الفاتحة: (الحمد لله رب العالمين) وهو في خاتمة القرآن العظيم (قل أعوذ برب الناس)” حكم الانتماء 58 بتصرف يسير.
وعليه كان من الضروري تصحيح عقائد الناس وبيان التوحيد, وتصفية ذلك عن كل ما يشوبه فـ “صحة التوحيد مع كثرة الذنوب خير من فساد التوحيد مع قلة الذنوب” الإستقامة لابن تيمية.
قال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ”.
وقال تعالى: “وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ”
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله: “وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق هذا التوحيد لأمته ويحسم عنهم مواد الشرك إذ هذا تحقيق قولنا: لا إله إلا الله فإن الإله هو الذي تألهه القلوب لكمال المحبة والتعظيم, والإجلال والإكرام, والرجاء والخوف” الفتاوي 1/136.
ومن الخطأ أن نقول أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا إلى التوحيد ثم انتقل إلى غيره، وإنما الصواب أن يقال: أنه عليه الصلاة والسلام: انتقل في دعوته مع التوحيد إلى غيره.
إذن فلا بد من حفظ التوحيد وعقائد المسلمين من كل ما يذهب به أو يضعفه، فإن أهل الإسلام هم رأس المال، ورأس المال مقدم على طلب الربح.
يقول الحافظ ابن هبيرة الوزير رحمه الله: “ومعلوم أن المسلمين هم رأس كل مسلم، فتصفية الاعتقاد فيهم من شوائب الوثنية هو من باب حفظ المال، وأما دعوة الكافر إلى الإسلام فهي من باب طلب الربح، ولا شك أن حفظ رأس المال مقدم على طلب الربح والله أعلم” منتقى الفوائد للحاشري 109، وانظر الفتح 12/301.
فالله الله في الحفاظ على التوحيد الصحيح والعقيدة الصافية من كل شوب فـ”ما طابت الدنيا إلا بتوحيده، وما طابت الآخرة إلا بجنته والنظر إليه تعالى”، كما قال أحد السلف. أنظر صفة الصفوة 4/319.