من مميزات منهج السلف الثبات على الحق

المنهج السلفي منهجُ ثبات على الحق لأنه مستمد “من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، وقد تلقاه الصحابة ثم التابعون وتابعوهم وأئمة الهدى المتمسكون بهديه صلى الله عليه وسلم إلى اليوم رواية ودراية، تلقينا وكتابة”
وعلامة صدق المرء في استقامته هي ثباته على ما يدعوا إليه، ولهذا كان من أسئلة هِرَقْل لأبي سفيان رضي الله عنه عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟
فأجابه أبو سفيان: لا.
فقال هرقل: “..وسألتك، أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت: أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب” .
فالمسلم الأثري الحق، والسالك إلى الله على درب أهل الصدق، لا يتراجع ولا يتقلب ولا يتلون، وإنما يزداد خيرا على خير هذا ما “جرى لأتباع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لم يزالوا في زيادة حتى كمل بهم ما أراد الله من إظهار دينه وتمام نعمته، فله الحمد والمنة” .
إن المنهج السلفي القائم على نور الوحي والنبوة يُرَسِّخ في نفوس حَمَلته اليقينَ والاستقرار، فلا يتأثر أتباعه بفكر منحرف ولا بفلسفة دخيلة، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله: “أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله؟” رواه ابن بطة.
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله: “إن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تُنكر وتُنكر ما كنت تعرف وإياك والتلون” .
وعن محمد بن سيرين قال: قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: “إنكم لن تزالوا بخير ما لم تعرفوا ما كنتم تُنكرون، وتُنكروا ما كنتم تعرفون، وما دام عالمكم يتكلم بينكم غير خائف” الإبانة لابن بطة.
إن نعمة الثبات على الحق غير مقصورة على علماء أهل السنة الراسخين، بل تتعداهم لعوام المسلمين من الذي صفت نياتهم، وصدقت إرادتهم، ولم تتعلق بمتاع زائل أو مصلحة دنيوية، فعوام أهل السنة تبع لعلمائهم، وهم على الحق ثابتون ما لزموا غرزهم.
قال شيخ الإسلام: “إن ما عند عوام المسلمين وعلمائهم: أهل السنة والجماعة من المعرفة واليقين، والطمأنينة والجزم بالحق والقول الثابت والقطع بما هم عليه؛ أمر لا ينازع فيه إلا من سلبه الله العقل والدين” .
ولهذا لا يُعلم عن أهل السنة الرجوع عن اعتقادهم قال شيخ الإسلام: “وأما أهل السنة والحديث فما يعلم أحد من علمائهم ولا صالح عامتهم رجع قط عن قوله واعتقاده، بل هم أعظم الناس صبرا على ذلك وإن امتحنوا بأنواع المحن، وفتنوا بأنواع الفتن، وهذه حال الأنبياء وأتباعهم من المتقدمين” .
وقال الأصبهاني: “ومما يدل على أن أهل الحديث هم أهل الحق: أنك لو طالعت إلى جميع كتبهم المصنفة قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وتباعد ما بينهم من الديار، وسكون كل واحد منهم في قطر من الأقطار، وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد، يجرون على طريقة لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد ونقلهم واحد لا ترى فيهم اختلافًا ولا تفرقًا في شيء ما وإن قل، بل لو جمعت جميع ما على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء على قلب واحد، وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا!” .
إن من أعظم منن الله على العبد أن يثبته على الحق في وقت المحن والإحن، وأن لا يكون منهجه تبعا لهواه وهوى الناس، ولهذا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من أن يقول: “يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك”، قال أنس رضي الله عنه: فقلت: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به؛ فهل تخاف علينا!؟ قال: نعم! إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء. رواه الترمذي وابن ماجه.
إن السالكين إلى الله على منهاج السلف يضلون ثابتين على عقيدتهم وطريقتهم ولا يغيرونها لتغير حالهم من سلم لحرب، أو من حرية لسجن أو من صغر لكبر.. فالكفر لا ينقلب إيمانا، والشرك لا يصير توحيدا، والبدعة لا تنقلب سنة، والبراء لا يغدو ولاء.. ولا العكس.
أما بعض الناس عافانا الله وإياهم فإنك تجد لهم في كل يوم قولا، ولسان حالهم يردد:
البس لكل حالة لبوسها *** إما نعيمها وإما بؤسها
في يوم يدعون للزوم غرز العلماء واتباعهم في طرائقهم وتأصيلاتهم..
وفي آخر يدعون للخروج عن ذلك والتنكب له، والخروج عن إجماع أهل السنة.. بدعوى أن التقليد مذموم وأن ما كان مُسلما به في وقت الطلب من مسائل المنهج والاعتقاد، يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر والله المستعان.
أرى داء خطيراً قد تفشى *** يحار له المفكر والبصير
ألمّ ببعض أفكار الحيارى *** وأرداهم إلى أمر خطير
فعوداً للرشاد بلا تمادي *** فقد جاء المحذر والنذير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *