الآثار السلوكية لتوحيد العبادة

ومن الجوانب السلوكية الناشئة عن توحيد العبادة: سلامة الصدر من الغل والحسد، كما في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (نضّر الله امرءاً سمع مقالتي فبلّغها، فرُبّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغلُّ عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم ) .
فهذه الخلال يستصلح بها القلوب فمن تمسَّك طهُر قلبه من الغلّ والحسد .
وفي المقابل فإن التوحيد سبب في دفع شر الحساد وأذاهم، وكما قال ابن القيّم: (فإذا جرَّد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله، بل يفرد الله بالمخافة وقد أمنه منه، وخرج من قلبه اهتمامه به واشتغاله به وفكره فيه، وتجرد لله محبة وخشية وإنابة وتوكلاً واشتغالاً به عن غيره، فيرى أن إعماله فكره في أمر عدوه وخوفه منه واشتغاله به من نقص توحيده، وإلا فلو جرد توحيده لكان له فيه شغل شاغل، والله يتولى حفظه والدفاع عنه، فإنه الله يدافع عن الذين آمنوا) .
وكما قيل: (من أحب الله لم يكن شيء عنده آثر من رضاه، ومن أحب الدنيا لم يكن شيء عنده آثر من هوى نفسه) .
إن من تعلّق قلبه بالله وحده، وصارت غايته مرضاة ربه تعالى، وكانت الآخرة همه، فإنه يسلم من داء الحسد، فإن منشأ الحسد حبُّ الدنيا، فإن الدنيا هي التي تضيق على المتزاحمين، وأما الآخرة فلا ضيق فيها …
ومن الآثار السلوكية للتوحيد: الشجاعة والإقدام، فكلما زاد وعظم توحيد الله تعالى في نفس العبد، كلما زاد شجاعة وإقداماً. ولما كان الخليلان -نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإبراهيم عليه السلام- أعظمَ الناس توحيداً، فكان في غاية الشجاعة والإقدام.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع الناس ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقَّاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عُرى، في عنقه السيف، وهو يقول: (لم تراعوا، لم تراعوا) .
حسبك من شجاعة إبراهيم الخليل عليه السلام أنه تحدى النمرود، وكسر أصنام قومه، وقال لهم: (أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) .
وقال لمناظريه من المشركين: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) .
وفي المقابل فإن الشرك سبب الرعب والخوف كما قال عز وجل: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكذلك المشرك يخاف المخلوقين، ويرجوهم فيحصل له الرعب، كما قال تعالى: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً). الخالص من الشرك يحصل له الأمن كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هنا الظلم بالشرك .
وأشار الفضيل بن عياض رحمه الله إلى ذلك بقوله: من خاف الله لم يضره أحد، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد.
وقال يحيى بن معاذ الرازي: على قدر خوفك من الله يهابك الخلق .
وقال يوسف بن أسباط: من خاف الله خاف منه كل شيء .(العــبوديــة مسائل وقواعد ومباحث؛ للدكتور عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *