مما يحتج به الأستاذ عدنان إبراهيم على أن في الصحيحين أحاديث مكذوبة.. ما رواه الإمام مسلم في صحيحه 2953 عن أنس أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة؛ وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة.
فزعم أن هذا باطل لأن ذاك الغلام مات قطعا ومع ذلك لم تقم الساعة!!!
معنى كلمة (الساعة)
فات الأستاذ أن في الحديث الذي قبله برقم واحد 2952 عند مسلم عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة؛ متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم؛ فقال: إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم.
قال الحافظ في فتح الباري 10/557: (قال عياض وتبعه القرطبي: هذه رواية واضحة تفسر كل ما ورد من الألفاظ المشكلة في غيرها).
وقال ابن حزم رحمه الله في الفصل في الملل 2/24: (رواه الثقاة أيضا عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه ثابت عن أنس، وقال أنه عليه السلام قال إن هذا لا يستوفي عمره حتى تقوم ساعتكم؛ يعني: وفاة أولئك المخاطبين له. وهذا هو الحق الذي لا شك فيه).
ومن الطريف أن هشام بن عروة راوي الحديث فسرها كذلك فعند البخاري 6146 بإسناده عن هشام عن أبيه عن عائشة بعد أن أورد نفس الحديث بلفظ (ساعتكم) قال: قال هشام: يعني موتهم. وهذا بنفس الإسناد أيضا.. وراجح فتح الباري.
لماذا أخطأ عدنان؟
لو كان انتبه لهذا لقال: لعل النبي صلى الله عليه وسلم يقصد بقوله (الساعة) في حديث أنس (ساعتكم) في حديث عائشة.. ولو انتبه إلى أن حديث أنس حادثة عين؛ وأن حديث عائشة حكاية عن طريقة مستمرة للنبي صلى الله عليه وسلم مع الوفود من الأعراب في تلك المسألة فإنها قالت: (كان الأعراب..) .
لكن الأستاذ لم ينتبه أو أنه انتبه وأراد التدليس وإن كنت أستبعد الثانية تحسينا للظن به.
ولعل الأستاذ لا يعرف أن القيامة قيامتان.. والقيامة هي الساعة نفسها بدليل أنه يقول: (قامت.. الساعة) فالقيامة الأولى والصغرى هي الموت والقيامة الكبرى قيامة البعث.. والمقصود بالساعة والقيامة هنا قيامة أولئك وساعتهم أي موتهم.. ومعنى الحديث أن أولئك سيموتون كلهم قبل أن يدرك الهرم ذلك الصبي وهذا معقول جدا.
القيامة قيامتان
قد يقول قائل: من أين لك هذا التقسيم؟
والجواب أخي الفاضل وأختي الفاضلة أن هذا التقسيم كان معروفا في زمن السلف رحمهم الله فقد روى الطبري في التفسير 29/174 عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة أنه قال: (يقولون القيامة القيامة.. وإنما قيامة أحدهم موته).
وروى الطبري في تهذيب الآثار مسند علي 2/548 والتفسير 29/174 من طرق عن سفيان عن أبي قيس قال: رأيت علقمة في جنازة فلم يزل قائما حتى دفن، فقال: أما هذا فقد قامت قيامته.
وقد روى البغوي حديث عائشة: (قامت عليكم ساعتكم) تحت باب: (باب قرب الساعة وإن من مات فقد قامت قيامته)، وإلى هذا نبه ابن تيمية رحمه الله في كتابه (الاستقامة 1/67/ت محمد رشاد سالم).
فنصيحتي لمن يثق في عدنان إبراهيم أن لا يندفع مطلقا في تصديق كل ما يقوله أو تصحيح كل ما يذكره وليحتط لنفسه وليتأنى بالبحث والمراجعة، فإن الأمر دين فانظروا عمن تأخذون دينكم!