ثنتان موجبتان (1/2)

عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثنتان موجبتان؛ قال رجل: يا رسول الله، ما الموجبتان؟ قال: من مات يشرك بالله شيئا دخل النار، ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة» (رواه مسلم).
«ثنتان» صفة لمبتدأ محذوف، أي صفتان أو فعلتان أو خلتان، و«موجبتان» هي الخبر، أي كل واحدة منهما سبب في وجوب شيء على صاحبها، إما الجنة وإما النار، فالجزاء من جنس العمل، واليوم الآخر ينتظر الناس جميعا لتحقيق هذا الجزاء، والله وحده سبحانه بيده الخلق والأمر سبحانه وتعالى عما يشركون.
قال رجل: «يا رسول الله، ما الموجبتان؟» والألف واللام هنا للعهد، يعني: ما هاتان الخصلتان الموجبتان اللتان تتحدث عنهما يا رسول الله؟، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات يشرك بالله شيئا دخل النار، ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة»، فحال المرء إما مؤمن بالله سبحانه أو مشرك به، والمراد بالشرك هنا معناه الأعم الذي يتحقق في أنواع الكفر، والإيمان هنا بمعناه الأخص الذي يتحقق بالإيمان بجميع أنواع الإيمان الواجبة -أركانه الستة-، فكانت الموجبة الأولى هي الموت على الشرك وموجبها النار، والموجبة الثانية هي الموت على التوحيد والإيمان وموجبها الجنة؛ وهذا الحديث قد أخرجه الإمام مسلم في باب «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة».
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْماً فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ جِبْرِيلَ عِنْدَ رَأْسِي وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اضْرِبْ لَهُ مَثَلًا، فَقَالَ: اسْمَعْ سَمِعَتْ أُذُنُكَ وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَاراً، ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتاً، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَائِدَةً، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولًا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرَّسُولَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَهُ، فَاللهُ هُوَ الْمَلِكُ، وَالدَّارُ الْإِسْلَامُ، وَالْبَيْتُ الْجَنَّةُ، وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ رَسُولٌ، فَمَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ الْإِسْلَامَ، وَمَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَكَلَ مَا فِيهَا» (أخرجه البخاري).
ودلت عليه نصوص الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة، أنه لا يخلد في النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فالمسلم العاصي إذا مات ولم يتب من معصيته فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه، لكنه لا يخلد في النار بحال.
روى البخاري ومسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ».
والمعنى أنّ الذي مات وفي قلبه الإيمان مهما كان قد فعل من المعاصي إذا دخل النار لا بد أن يخرج منها بعد ذلك، لأنه مات على الإيمان؛ ومن المذنبين العُصاة من يُسامحهُم الله تعالى فلا يعذّبهم في النار، وهذا الذي ذكرناه هو ما أجمع عليه أهل السنه والجماعة وخالف في ذلك طائفتان، طائفةٌ قالوا: «من فعل ذنباً من الكبائر ومات عليه فهو خالدٌ في نار جهنم» وهم الخوارج، وطائفةٌ قالوا: «إذا كان الشخص مسلماً لا يضرّه مهما فعل من ذنوب» وهم المرجئة، والطائفتان شاذتان عن الصواب، وما قالوه مخالفٌ لما علّمه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد روى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من عبدٍ قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك دخل الجنة؛ قال أبو ذر: قلتُ: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق؛ قال: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق؛ ثم سأله الثالثة، فقال له النبي: وإن زنا وإن سرق؛ وقال له في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر»؛ فكان أبو ذر بعد ذلك إذا روى هذا الحديث يقول: «من قال لا إله إلا الله ومات على ذلك دخل الجنة وإن رغم أنف أبي ذر».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *