هل العادة تدخل في باب البدعة الضلالة؟

من المعلوم عند أهل العلم وطلابه أن القول المحقق في تعريف البدعة التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: “كل بدعة ضلالة” ما ذكره الشاطبي رحمه الله في الاعتصام 1/42 حيث قال: “البدعة: طرقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية”.

والمتأمل في هذا الذي ذكره الشاطبي رحمه الله يجد أن الضابط للحكم على الشيء بأنه بدعة اتخاذه طريقا لقصد التقرب إلى الله عز وجل ويكون في ذلك مضاهاة للطريقة الشرعية سواء كان ذلك الابتداع في باب العبادات أو العادات.
وعليه فمما يجب الانتباه عليه في هذا المقام أن الابتداع أشمل من أن يكون منحصرا في العبادات بل هو عام يشمل حتى العادات لعموم الأدلة الواردة في ذلك.
نعم اختلف أهل العلم في دخول العادات في مجال الابتداع، لكن الذي رجحه أهل التحقيق منهم عدم دخول ذلك إلا “إذا قصد بالعادة ما يقصد بالعبادة” انظر الاعتصام 1/ 42.
ومن الأدلة على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للنفر الذين جاؤوا أزواجه فمنع أحدهم نفسه عن أكل اللحم تعبدا فغضب لذلك صلى الله عليه وسلم وقال: “من رغب عن سنتي فليس مني” مسلم والنسائي وغيرهما وأصله في البخاري.
فرغم أن أكل اللحم عادة وليس بعبادة لكن لما ألزم نفسه بالامتناع منه قربة إلى الله صار بدعة ضلالة.
ومن ذلك أيضا ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: “بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذ هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: فليتكم وليستظل وليقعد وليتم صومه”.
قال شيخ الإسلام: “فأما الصمت الدائم فبدعة منهي عنها، وكذلك الامتناع عن أكل الخبز واللحم وشرب الماء -أي: تعبدا- فذلك من البدع المذمومة أيضا” الفتاوي 11/200.
قال الشاطبي معلقا على قول للإمام مالك رحمه الله: “فتأمل كيف جعل القيام في الشمس وترك الكلام ونذر المشي إلى الشام أو مصر: معاصي.. مع أنها في أنفسها أشياء مباحات لكنه لما أجراها مجرى ما يتشرع به ويدان الله به صارت عند مالك معاصي لله” الاعتصام 2/534.
ومن أمثلة ذلك لُبس الصوف بقصد التقرب إلى الله.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “إن اتخاذ لبس الصوف عبادة وطريقا إلى الله بدعة” الفتاوي 11/555.
إذن فكل تقرب إلى الله بفعل شيء من عادات من وجه لم يعتبره الشرع(1) فهو بدعة، وهذه قاعدة خاصة بالعادات فتنبه، فإن البدعة هاهنا مخترعة من جهتين: من جهة أصلها ومن جهة وصفها.
ومنها كانت الأمثلة على هذه القاعدة من قبيل البدعة الحقيقية التي لا دليل عليها لا في الجملة ولا في التفصيل.
قال ابن تيمية رحمه الله: “ومن تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة، وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة فهو ضال مبتدع بدعة سوء لا بدعة حسنة باتفاق أئمة الدين، فإن الله لا يعبد إلا بما هو واجب أو مستحب” الفتاوي 1/160.
وقال ابن رجب: “فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله فعمله باطل مردود عليه” جامع العلوم والحكم 1/178.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- ذلك لأن فعل العادة قد يدخل تحت معنى العبادة ولا يكون بدعة حين إذن، وذلك إذا اقترن بهذا الفعل النية الصحيحة أو كان وسيلة إلى العمل الصالح وعونا عليه، أما ما بيناه أعلاه فكان في خصوص اتخاذ العادة بذاتها عبادة وقربة فهذه هي البدعة الضلالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *