العلماء حراس الدين الحنيف، وحماته من الابتداع والتحريف، ولذلك كانت لهم في الشريعة الإسلامية مكانة عظيمة ومنزلة جليلة، حتى قال طاووس بن كيسان رحمه الله: “إن من السنة أن توقر العالم” جامع بيان العلم 1/459. لكن في الوقت نفسه فإنهم ليسوا بمعصومين ولا يوجد أحد قوله كله صواب بل كل يؤخذ من قوله ويرد، فنجل العالم ونعظمه ونوقره لعلمه وفضله، وإذا أخطأ لا نتبعه في خطئه مع اعتقادنا إصابته الأجر.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “فأما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا بمعصومين وهذا في الذنوب المحضة وأما ما اجتهدوا فيه: فتارة يصيبون وتارة يخطئون فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا وأخطئوا فلهم أجر على اجتهادهم، وخطؤهم مغفور لهم، وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين فتارة يغلون فيهم ويقولون إنهم معصومون، وتارة يجفون عنهم ويقولون إنهم باغون بالخطأ.
وأهل العلم والإيمان: لا يعصمون ولا يؤثمون” الفتاوى 35/69. إذن فما ينبغي أن نجعل محبتنا وقبولنا للعالم سببا للعمى عن خطئه وإتباعه فيه لأن الحق أحق أن يتبع. فها هو الإمام ابن القيم رحمه الله لما استدرك أمورا على الشيخ أبي إسماعيل الهروي رحمه الله قال: “شيخ الإسلام (أي الرهروي) حبيبنا، ولكن الحق أحب إلينا منه، وكان شيخ الإسلام ا بن تيمية رحمه الله يقول: (عمله خير من علمه) وصدق رحمه الله فسيرته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد أهل البدع لا يشق له فيها غبار وله المقامات المشهورة في نصرة الله ورسوله، وأبى الله أن يكسو ثوب العصمة لغير الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم” المدارج 3/521.
وكما أننا لا نتبع العالم الفاضل في خطئه فإننا لا نشنع عليه ولا نتهمه ولا نحط من قدره.
قال الشاطبي رحمه الله: “إن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليدا له، وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتدا بها لم يجعل لها هذه الرتبة ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها…كما أنه لا ينبغي أن يُشنع عليه بها، ولا يُنتقص من أجلها، أو يُعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتا، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين” الموافقات 5/136-137.
ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء 9/142-143 عند ترجمة وكيع رحمه الله قال: “قال يحيى بن أكثم: صحبت وكيعا في الحضر والسفر وكان يصوم الدهر ويختم القرآن كل ليلة.
قلت (أي الذهبي): هذه عبادة يخضع لها، ولكنها من مثل إمام من الأئمة الأثرية مفضولة، فقد صح نهيه عليه السلام عن صوم الدهر، وصح أنه نهى لأن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث والدين يُسر ومتابعة السنة أولى، فرضي الله عن وكيع وأين مثل وكيع؟ ومع هذا فكان ملازما لشرب نبيذ الكوفة الذي يسكر الإكثار منه، فكان متأولا في شربه ولو تركه تورعا لكان أولى به فإن من توقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، وقد صح النهي والتحريم للنبيذ المذكور وليس هذا موضع هذه الأمور، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، فلا قدوة في خطأ العالم، نعم ولا يوبخ بما فعله باجتهاد نسأل الله المسامحة”.