فضل العلم ومنزلة أهله

أعظم ما اكتسبته النفوس وحصلته القلوب ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة العلم النافع.

قال تعالى: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ” المجادلة، وهذا فضل عظيم وشرف كبير. فإن الرفعة تشتمل الرفعة المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت، وانتشار علم العالم واستفادة الناس منه.
والرفعة في الآخرة وهي رفعة حسية بعلو المنزلة في الجنة وهو دليل على كثرة الثواب (انظر فتح الباري 1/141).
وقال تعالى: “شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”، ففي الآية دليل على شرف العلم وفضله، وعلى شرف أهله وفضلهم على من سواهم، إذ لو كان أحد يعدلهم من غيرهم لقرن الله شهادته بشهادته كما قرن الله شهادة أهل العلم بشهادته سبحانه وتعالى. وفي هذا حض للمسلمين على تعلم العلم النافع، الموصل إلى الله، والهادي إليه.
وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: “وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً”طه.
وهذه الآية برهان واضح على فضل العلم، لأن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم، والمراد العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف. (انظر فتح الباري 1/141).
وأما السنة فهي حافلة بالنصوص الدالة على فضل العلم، والحث على طلبه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “طلب العلم فريضة على كل مسلم” حديث صحيح.
كما بين صلى الله عليه وسلم مكانة طالب العلم فقال: “من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر” (صحيح الترغيب للألباني 1/105)، فهذا حديث عظيم، جليل القدر بين فضل العلم وشرف حامله من وجوه عديدة منها:
الأول: أن الله تعالى أثاب طالب العلم على سلوكه في الدنيا طريق العلم الموصل إلى الله تعالى وإلى رضوانه، أثابه الله عليه أن يسر له طريق الجنة مقصده وغايته.
الثاني: تعظيم الملائكة لطالب العلم وحبها إياه وحياطته وحفظه، ولو لم يكن لطالب العلم إلا هذا الحظ الجزيل لكفى به شرفاً وفضلاً.
الثالث: أن طالب العلم شبيه بالملائكة، فإن الملائكة من أنصح خلق الله لعباد الله، كما قاله بعض التابعين ولا ريب أن طالب العلم قد سعى في أعظم ما ينصح به عباد الله.
الرابع: أن جميع المخلوقات تستغفر له حتى الحيتان في الماء، لأنه لما سعى فيما به نجاة النفوس، جوزي من جنس عمله، وجعل من في السموات والأرض ساعياً في نجاته من الهلاك باستغفارهم له.
الخامس: أن العالم شبيه بالقمر الذي يضيء الآفاق يمتد نوره في أقطار العالم، أما العابد فشبيه بالكوكب الذي نوره لا يجاوز نفسه، وإن جاوزها فهو غير بعيد.
السادس: أن العلماء ورثة الأنبياء خير خلق الله، فهم أحق بميراثهم، وإذا كان الميراث ينتقل للأقرب فهذا تنبيه بأن العلماء أقرب الناس إلى الأنبياء، وهذه منقبة عظيمة.
السابع: أن العلم أعظم الحظوظ وأجداها، لأن نفعه يدوم في الدارين. (انظر مفتاح دار السعادة 1/63).
والأدلة على فضل العلم وعظيم نفعه وشرف صاحبه كثيرة، ويكفي في فضله وشرفه أن الله تعالى قرن شهادتهم بشهادته على أجل مشهود وهو توحيده سبحانه وتعالى وأنهم ورثة الأنبياء الأدلاء على رب الأرض والسماء.
قال الإمام أحمد رحمه الله: “العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته، قيل: وكيف يا إمام، قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *