الإسلام ودكتاتورية العلمانية

صدع العلمانيون رؤوسنا منذ الغزو الغربي لبلاد المسلمين بانتقاداتهم لدعاة الإسلام وعلمائه، استنادا إلى مفاهيمهم العلمانية المستمدة من بيئة أعلن أبناؤها مقاطعة الدين وتهميش دوره، فنبزوا الحكم بشريعة الله بكونه استبدادا باسم الإله، وأن العلماء يدعون امتلاك الحقيقة المطلقة، وأنهم لا يقبلون بالتنوع والاختلاف، ويحاربون قيم التسامح والتعايش، إلى غير ذلك من التهم الجاهزة التي تلصق بالدين للتنفير منه ومن أهله، مستعملين في ذلك كلمات ملتبسة بل متناقضة الدلالات تمني مَن انطلت عليه بالنعيم فوق الأرض، وعدالة يسود فيها القانون، وتوزيع للثروات لا يجوع في ظله أحد.
فكانت هذه الأوهام كافية لتمكن للعلمانيين الأُوَل أن يخترقوا في أواخر القرن التاسع عشر جسم الأمة في شخص الخلافة الإسلامية العثمانية، ليدخل من خلال خرقهم هذا جيوش المحتل العلماني الأوربي.
تمكنت العلمانية بمساعدة الماسونيين في سنة 1907م من عزل السلطان عبد الحميد الثاني الذي رفض أن يسمح لليهود الصهاينة أن يستوطنوا فلسطين السليبة ورفض أموال اليهود الطائلة التي قدمها هرتزل ثمنا لذلك.
وليس من قبيل الصدفة أن يكون رئيس الوفد الذي قدم للسلطان قرار عزله ونفيه هو الشخص نفسه الذي أرسله هرتزل ليفاوض السلطان حول بيع فلسطين لليهود مقابل المال وهو الثري اليهودي “عمانويل قراه صو” رئيس المحفل الماسوني، وكان السلطان قد طرده يوم عرض عليه الصفقة بشأن فلسطين ليرد عليه الماسوني بقوله: “سأخرج لكنني سأعود في مهمة أخرى”، وبالفعل عاد بقرار العزل والنفي.
ولم يمض على تبني الديمقراطية بعد عزل السلطان الأبي سوى 17 سنة حتى قرر العلمانييون في برلمانهم أن يسقطوا الخلافة الإسلامية ويتبنوا العلمانية نظاما للحكم، ومن تم انتشر الوباء، وعم أغلب البلدان الإسلامية، فترك المسلمون تحكيم الشريعة الإسلامية، وما زالوا منذ ذلك الحين يبحثون عن وهم اسمه الديمقراطية تروج له العلمانية التي ألغت خلافتهم.
لقد علم الغرب أن الديمقراطية وَهْمٌ لا وجود له حتى في بلدانهم وإنما يتم تداول السلطة بين الأقوياء حتى يحافظوا على مصالحهم، فكل شيء مسطر قبل الانتخابات، ولا يجلس على كرسي الحكم إلا من رضيته الجماعات الضاغطة “اللوبيات”.
أما في بلداننا فقد أصبحت كل المفاهيم مضطربة ملتبسة يُسوَّق لها في وسائل الإعلام من أجل أهداف لا يرى المرء منها إلا آثارها المدمرة على أرض الواقع.
فأنت لو قلت لأغلب المغاربة مثلا:
“هل تحب أن تكون ديمقراطيا؟”
يكون الجواب بسرعة: “نعم!”
وإذا قلت له: “إذن يجب عليك أن تقبل بأن تمارس ابنتك الجنس من غير زواج، لأن ذلك من حريتها الشخصية”.
وأن ترضى إن قال لك ابنك: “أريد أن أصبح كافرا بالله” لأن ذلك من حرية الاعتقاد، وألا تمانع إن أرادت ابنتك أن تحول جنسها من أنثى إلى ذكر، وأن تسمح لابنك إن رغب أن يصبح امرأة أو أن يمارس الشذوذ، فذلك حرية شخصية، إذ لا بد لك إن أردت أن تكون ديمقراطيا أن تقبل بهذه الأمور، فليس هناك ديمقراطية دون احترام للحرية الفردية، وحرية الاعتقاد.
فسيقول لك إن اكتفى بالقول ولم يضربك: أنا أريد من أفهم من الديمقراطية معنى العدل والمساواة.
نستشف مما سبق أن مفاهيم المصطلحات العلمانية وكذا مبادئ الديمقراطية تبقى ملتبسة تغرر بالمسلمين، الذين لا يرون في الديمقراطية إلا العدل والمساواة وبعض القيم التي تبقى نظرية أمام جشع الإنسان الذي قطع صلته بالوحي وربطها بالمادة التي لا تعترف إلا ببقاء الأقوى وليس الأتقى.
فأين ديمقراطية أمريكا في العراق؟ وأين ديمقراطيتها في فلسطين؟ وأين كانت ديمقراطية كل الدول الأوربية يوم كانت تعيث فسادا في أوطاننا تقتل وتسجن وتنتهك كل الحرمات؟
يجب اليوم على المسلمين أن ينزعوا القداسة عن هذا الصنم المسمى “الديمقراطية” الذي صار لا يقبل أي نقد، أن يعيدوا النظر فيه جملة وتفصيلا، وأن يخضعوا مجتمعاتهم للدراسة والتحليل حتى يستشعروا فظاعة الآثار التي ترتبت عن تطبيق قيم الديمقراطية غير المنضبطة على مستوى السياسة والاجتماع والثقافة والقيم.
أعَجَزَ المسلمون عن ابتكار نظام للحكم يتماشى مع شريعة ربهم ولا يتناقض مع موروثهم الديني ومقومات هويتهم؟
ثم لماذا تُفرض علينا هذه الديمقراطية تحت تهديد العقوبات الاقتصادية والصواريخ فإن أبَيْنا جاءتنا فوق دبابات الديمقراطيين الأمريكان والأوربيين؟
على المسلمين أن يميزوا بين آليات الديمقراطية وقيمها، فالآليات قد لا تتناقض مع الإسلام وما تناقض منها يمكن تعديله لأنه من قبيل الوسائل، لكن القيم الديمقراطية هي نتاج أفكار وممارسات أنتجتها المجتمعات الأوربية والأمريكية طبقا لتطور دام سنوات طوالا، فكيف يطلب من المسلمين القبول بها وإن عارضت قيم دينه أحكام شريعته.
إن الديمقراطية لا تقوم إلا على أساس العلمانية والعلمانية لا تقوم إلا على تهميش الدين وفصله عن دنيا الناس، فلينته العلمانيون من مخادعة المسلمين المتشبثين بدينهم، بعبارات مثل المساواة، والتناوب على السلطة، والتعايش والانفتاح، ونبذ الحقد والكراهية، فإن الإسلام فيه كل ذلك ودون التباس فلندع إليه، بدل أن ندعو إلى ما فيه حتفنا، “وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ” فصلت، “وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً” النساء.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *