لقد كان مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته خيرا للناس كلهم ورحمة؛ قال الله تعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ( الأنبياء 107
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:”يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة” السلسلة الصحيحة 490
ولما قيل له صلى الله عليه وسلم :يا رسول الله ! ادع على المشركين . قال:” إني لم أبعث لعانا . وإنما بعثت رحمة” الصحيحة 3945
فـ”الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله تعالى هدى ورحمة للعالمين، فإنه كما أرسله بالعلم والهدى، والبراهين العقلية والسمعية، فإنه أرسله بالإحسان إلى الناس، والرحمة لهم بلا عوض، وبالصبر على أذاهم واحتماله، فبعثه بالعلم، والكرم، والحلم؛ عليم هاد، كريم محسن حليم صفوح” مجموع الفتاوى 16/313-314
…واجهه فئام من الناس بالكفر والعصيان، والأذى والإيلام وواجههم بالعفو والصفح وطلب الغفران، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:”كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه، يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.” متفق عليه
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قدوة أهل السنة وأسوتهم كان لزاما أن ينال أهلَ السنة من هذه الرحمة بقدر تمسكهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وحملهم لإرثه قال شيخ الإسلام:”الهدى والرشاد والرحمة ليس في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في أهل الحديث والسنة المحضة، الذين لا ينتصرون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم خاصته، وهو إمامهم المطلق الذي لا يغضبون لقول غيره إلا إذا اتّبع قوله، ومقصودهم نصر الله ورسوله، وإذا كان الصحابة، ثم أهل الحديث والسنة المحضة أولى بالهدى ودين الحق وأبعد الطوائف عن الضلال والغيّ، فالرافضة بالعكس”. منهاج السنة 6/369-368
ومن مظاهر رحمة أهل السنة بمخالفيهم، الحرص على هدايتهم فلقد غرس النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه الحرص على هداية الناس وإدخالهم في دين الله ووقايتهم من عذابه يوم القيامة والقدوم عليه، فقد بلغ من شدة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية قومه وحزنه لتركهم الإيمان أن واساه الله تعالى بقوله: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) “باخع أي مهلك نفسك بحزنك عليهم” ابن كثير
وقال له سبحانه: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) فاطر 8
وكان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له:”أسلِم”. فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم. فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:”الحمد لله الذي أنقذه من النار.” رواه البخاري
وإذا كان هذا هو ما يلزمنا مع الكفرة الذين يخالفوننا في أصل الملة وأساس الدين فكيف بالمخالفين لنا من أهل القبلة ممن يجمعنا بهم أصل الإيمان ؟
لا شك أن أهل السنة يرجون الهداية لكل الناس ويسترخصون في سبيل ذلك الغالي والنفيس ولربما خص الواحد منهم المخالفين له بالدعوات وتحرى بذلك مواطن الإجابة…
ومن ذلك الرفق واللين في دعوتهم؛ قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَو كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا) آل عمران 159
ومنه الرد على أخطائهم وتحذير الناس مما انتشر منها ففي ذلك خير لهم في أنفسهم في حياتهم إذ هو سبيل رجوعهم لجادة الصواب كما أنه سبيل لصرف الناس عن اتباع أخطائهم وانحرافاتهم حتى لا يتبعهم الناس عليها فيحملون أوزارهم إلى أوزارهم ولهذا فالراد على المخطئ أنفع له في حياته وبعد مماته من المدافع عنه…
ومن ذلك الاهتمام في أثناء الرد بالحجة وترك التهويل والسب والطعن وما لا فائدة فيه،قال شيخ الإسلام:” فإن الرد بمجر الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد، والإنسان لو أنه يناظر المشركين، وأهل الكتاب ؛ لكان عليه أن يذكر من الحجة ما يبين به الحق الذي معه، والباطل الذي معهم، فقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، وقال تعالى: (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) “مجموع الفتاوى4/ 186- 187.
ومن ذلك العدل معه”فالسعيد من تاب الله عليه من جهله وظلمه، وإلا فالإنسان ظلوم جهول، وإذا وقع الظلم والجهل في الأمور العامة الكبار، أوجب بين الناس العداوة والبغضاء، فعلى الإنسان أن يتحرى العلم والعدل فيما يقوله في مقالات الناس، فإن الحكم بالعلم والعدل في ذلك أولى منه في الأمور الصغار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاضي في الجنة: رجل علم الحق وقضى به؛ فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل؛ فهو في النار، ورجل علم الحق وقضى بخلافه؛ فهو في النار) ، فإذا كان هذا فيمن يقضي في درهم وثوب، فكيف بمن يقضي في الأصول المتضمنة للكلام في رب العالمين، وخلقه وأمره ووعده ووعيده؟”.درء تعارض العقل والنقل8/408