شبهات محسني البدع والرد عليها (1)

مر معنا في عدد سابق بيان أنه ليس في الدين بدعة حسنة ويحسن الآن إيراد بعض ما يبني عليه محسنو البدع قولهم من شبه والرد عليها:

رَوَى ‏مَالِكُ ‏عَن ‏‏ابْنِ شِهَابٍ ‏عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ‏عَنْ ‏عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ ‏أَنَّهُ قَالَ ‏ ‏خَرَجْتُ مَعَ ‏‏عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ ‏أَوْزَاعٌ ‏مُتَفَرِّقُونَ ‏ ‏يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ‏ ‏الرَّهْطُ، ‏فَقَالَ ‏عُمَرُ:‏ ‏وَاللَّهِ إِنِّي‏ ‏لَأَرَانِي لَو جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ. فَجَمَعَهُمْ عَلَى ‏أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ‏فَقَالَ ‏عُمَرُ نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِن الَّتِي تَقُومُونَ. ‏يَعْنِي آخِرَ اللَّيْلِ ‏‏وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ”.
يعد هذا الأثر مما استدل به القائلون بالبدع الحسنة وقد فرحوا بقول عمر رضي الله عنه: “نعمت البدعة هذه” و اعتبروه حجة على تقسم البدع إلى حسنة وقبيحة. وهذا الاستدلال باطل من وجوه عدة ودونك بيان ذلك:
إن قيام رمضان أمر مشروع وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم أحيا بالناس ليلة في رمضان صلى ثمان ركعات وأوتر” ابن حبان في صحيحه.
صلاة التراويح جماعة أمر ثابت فقد “دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن عملَ عمرَ عملٌ صالح فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن قال لهم في الليلة الثالثة والرابعة: (إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم، إلا كراهة أن يُفرض عليكم) وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم. فانتفى المعارض لعمل عمر رضي الله عنه”
بل إنه صلى الله عليه وسلم حث على الجماعة في قيام رمضان فقال: “…من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة” رواه أصحاب السنن
مما تقدم يُعلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجمعه للصحابة لم يُحدث بدعة لا من جهة أصلها ولا من جهة صفتها وإنما أحيا رضي الله سنة وعليه، فإطلاق لفظ البدعة منه إطلاق لغوي محض لكون هذه الصلاة لم تُفعل في أول عهده ولا في عهد أبي بكر رضي الله عنه.(1)
قال العلامة الشاطبي: ” …إنما سماها بدعة بظاهر الحال من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفق أنه لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه لأنها بدعة في المعنى، فمن سماها بدعة بهذا الاعتبار فلا مُشاحة في الأسامي وعند ذلك لا يجوز الاستدلال بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه” (2)
قال شيخ الإسلام: أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فُعل ابتداء من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية؛ فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي” (3)
قال العلامة ابن كثير: “البدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية… وتارة تكون لغوية كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: نعمت البدعة هذه” (4)
قال الحافظ ابن رجب: “وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية، لا الشرعية” (5)
قال الشيخ الألباني رحمه الله: “وقول عمر: (نعمت البدعة هذه) لم يقصد به البدعة بمعناها الشرعي الذي هو إحداث شيء في الدين على غير مثال سابق لما علمتَ إنه رضي الله عنه لم يحدث شيئا بل أحيا أكثر من سنة نبوية كريمة وإنما قصد البدعة بمعنى من معانيها اللغوية، وهو الأمر الحديث الجديد الذي لم يكن معروفا قبيل إيجاده، ومما لا شك فيه أن صلاة التراويح جماعة وراء إمام واحد لم يكن معهودا ولا معمولا زمن خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة عمر -كما تقدم- فهي بهذا الاعتبار حادثة ولكن بالنظر إلى أنها موافقة لما فعله صلى الله عليه وسلم فهي سنة وليست بدعة وما وصفها بالحسن إلا لذلك وعلى هذا المعنى جرى العلماء المحققون في تفسير قول عمر” (6)

يُتبع إن شاء الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – من تعليق الشيخ مشهور حسن على كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة ص 94

[2] –  الاعتصام بتحقيق الشيخ مشهور 1/326-327

[3] – اقتضاء الصراط المستقيم بتحقيق الدكتور العقل 387

[4] – تفسير القرآن العظيم 1/166

[5] -جامع العلوم والحكم ص 233

[6] – صلاة التراويح ص 43

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *