الميل عن الشرك إلى التوحيد شرعة نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم، وهو الطريق القويم الذي لا اعوجاج فيه، وهو حقيقة الحنيفية التي أمرنا الله تبارك وتعالى أن نكون عليها كما في قوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء).
قال البيضاوي رحمه الله في تفسيره 516: “(وَمَا أُمِرُوا) أي في كتبهم بما فيها (إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) لا يشركون به (حُنَفَاء) مائلين عن العقائد الزائفة”.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير لقوله تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً): “أي متحنفا عن الشرك قاصدا إلى الإيمان”.
فالميل عن الشرك إلى عبادة الله وحده مخلصا له الدين هو أساس الإسلام، وبذلك أمر الله جل وعلا سائر الأنام بل خلقهم تعالى لذلك، كما قال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
وعبادة الله جل وعلا تشتمل على ثلاث قيود:
ـ التوحيد والإفراد.
ـ الخضوع والذل.
ـ تمام المحبة وكمال الطاعة.
فإذا اجتمعت في الإنسان هذه الثلاثة فقد اجتمعت فيه العبادة حقا على وجه التمام.
والآية السابقة الذكر دالة على حصر مقصد الخلق في علة واحدة ألا وهي عبادة الله وحده، لأن أسلوب النفي المتبع بالإستثناء هو أعلى أدوات وأساليب القصر والحصر عند البلاغيين.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في تفسيره للآية: “واختلفوا في هذه الآية على أربعة أقوال: أحدها: إلا لآمرهم أن يعبدون، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه واختاره الزجاج.
الثاني: إلا ليقِرُّوا بالعبودية طوعا وكرها، قاله ابن عباس رضي الله عنه..
والثالث: أنه خاص في حق المؤمنين..
الرابع: إلا ليخضعوا إليَّ ويتذللوا..” زاد المسير 8/42.
قال الناظم:
إن الحنفية خير ملة *** ملة إبراهيم حليف الخلة
أن تعبد الله موحدا له *** ومخلصا الطاعة لا تموه
بذاك أمر الله في العباد *** قد جاء يحدوهم إلى السداد
وخلقنا لها أتى بالحصر *** وما خلقت الجن فاتل تدر