صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أعلم الناس بأصول الدين فهم الأفقه بالعربية ومدلولاتها إضافة إلى معايشتهم عصر التنزيل، وتلقيهم ذلك عن أعلم الخلق بالله على الإطلاق نبينا الأمين صلى الله عليه وسلم، حتى كانوا إذا استشكلوا شيئا سألوه عنه، وكان يجيبهم بما يزيل الإشكال ويبين الصواب، فهم العارفون ـرضوان الله عليهم- ومن تبع طريقتهم من السلف الصالح بأصول الدين حقا، لا أهل البدع والأهواء من المتكلمين ومن سلك سبيلهم.
ومن ثم فمن ضوابط القول في الشريعة أن ينظر الناظر في مَن سبقه بما يقول وهل له في ذلك سلف من الصحابة والأئمة والفقهاء المعتد بهم.
قال الإمام أحمد رحمه الله: “إياك أن تقول كلمة ليس لك فيها إمام” رواه ابن الجوزي في مناقب الإمام اأحمد 231.
ولأجل هذا كان السلف والأئمة يكتفون بالرواية والآثار في العلم.
قال سفيان الثوري رحمه الله:” إنما العلم كله بالآثار” أخرجه ابن عبد البر في جامعه 2/34، في آخرين.
وقال الإمام مالك رحمه الله: “لم يكن من فتيا الناس أن يقال: لِمَ قلت هذا؟ كانوا يكتفون بالرواية ويرضون بها” رواه البيهقي في المدخل 237.
فمن رأى من نفسه الشذوذ والإنفراد فليتوقع أنه جانب الصواب، وإذا رأى أنه موافق لأهل العلم فتلك علامة التوفيق والسداد.
قال الشاطبي رحمه الله: “فلهذا كله يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به فهو أحرى بالصواب، وأقوم في العلم والعمل” الموافقات 3/77.
فالاقبال –إذن- على علم السلف الصالح وعملهم، ومراعاة فهمهم، والسير على نهجهم وطريقة استدلالهم هو صمام الأمان إلى الحق، ومجانبة البدعة والهوى والضلال.
عن ابن المسيب رحمه الله أنه سئل عن شيء فقال: اختلف فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أرى لي معهم قولا.
قال ابن وضاح رحمه الله معلقا: هذا هو الحق.
وقال الحافظ ابن عبد البر عقبه: معناه ليس له أن يأتي بقول يخالفهم به. جامع بيان العلم 2/29.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: “وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك، بل مبتدعا، وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤه.
والمقصود بيان طرق العلم وأدلته، وطرق الصواب، ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعا” مقدمة في أصول التفسير 81.
وقال ابن القيم رحمه الله: “إن إحداث القول في تفسير كتاب الله الذي كان السلف والأئمة على خلافه يستلزم أحد أمرين: إما أن يكون خطأ في نفسه، أو تكون أقوال السلف المخالفة له خطأ، ولا يشك عاقل أنه أولى بالغلط والخطأ من قول السلف” مختصر الصواعق المرسلة 2/128.