من أصول الإيمان بالله جل وعلا: الحب في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله، فيحب المؤمن أهل الإيمان ويواليهم، ويبغض أعداءهم ويعاديهم كما قال تعالى: “لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: “قوله تعالى: ( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) أي: لا يوادون المحادين ولو كانوا من الأقربين، كما قال تعالى: “لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ “[آل عمران : 28] الآية.
وقال سعيد بن عبد العزيز وغيره: أنـزلت هذه الآية ( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) إلى آخرها في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح، حين قتل أباه يوم بدر؛ ولهذا قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حين جعل الأمر شورى بعده في أولئك الستة، رضي الله عنهم: “ولو كان أبو عبيدة حيًّا لاستخلفته”.
وقيل في قوله: (وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ) نـزلت في أبي عبيده قتل أباه يوم بدر (أَوْ أَبْنَاءَهُمْ ) في الصديق، هَمَّ يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن، (أَوْ إِخْوَانَهُمْ) في مصعب بن عمير، قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ (أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) في عمر، قتل قريبا له يومئذ أيضًا، وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ، والله أعلم…
وقوله: (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) أي: من اتصف بأنه لا يواد من حاد الله ورسوله ولو كان أباه أو أخاه، فهذا ممن كتب الله في قلبه الإيمان، أي: كتب له السعادة وقررها في قلبه وزين الإيمان في بصيرته.
وقال السدي: (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ) جعل في قلوبهم الإيمان.
وقال ابن عباس: (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) أي: قواهم.
وفي قوله: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) سر بديع، وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله عوضهم الله بالرضا عنهم، وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم، والفوز العظيم، والفضل العميم.
وقوله: (أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي: هؤلاء حزبُ الله، أي: عباد الله وأهل كرامته.
وقوله: (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) تنويه بفلاحهم وسعادتهم ونصرهم في الدنيا والآخرة، في مقابلة ما أخبر عن أولئك بأنهم حزب الشيطان. ثم قال: (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)”.
قال الناظم:
فإن تكن بطاعة الرسول *** متصفا بوصفها الجميل
موحدا لله لا يجوز *** لك المولاة لمن يحوز
عداوة الله مع الرسول *** محاددا منابذ المعقول
ولو يكون منك ذا قرابة *** فاتل الكتاب تعلمن صوابه
فمن أطاع الرسول عليه الصلاة والسلام ووحد الله لا يجوز لهم موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب.
وأصل الموالاة المحبة والقربة، وأصل المعاداة البغض والبعد كما بينه شيخ الإسلام رحمه الله في الفرقان.
وقد قرر العلماء رحمهم الله أن الموالاة على نوعين:
أولها: من أحب أعداء الله ودينه لعلة دنيوية ونحوها فهي موالاة محرمة.
ثانيها: محبتهم لدينهم أو محبة نصرتهم على المسلمين فهي موالاة شركية عياذا بالله كما قال تعالى “ومن يتولهم منكم فإنه منهم”.