خطوات الاستدلال بالدليل عند أهل السنة والحديث مراعاة أحكام النسخ وفق الدرس الأصولي الحلقة الأولى رشيد مومن الإدريسي

عرف النسخ اصطلاحا بأنه: “رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب آخر متراخ عنه”.
شرح التعريف: “الثابت” وصف للحكم، و”بخطاب متقدم” متعلق بالثابت، و”بخطاب” (الثانية) متعلق برفع، والضمير في “عنه” راجع للثابت بخطاب متقدم.
ورفع الحكم جنس يعم النسخ وغيره مما يخرج بالقيود الآتية لذلك:
فيخرج منه بقيد “الثابت بخطاب متقدم” البراءة الأصلية فإيجاب الصلاة والزكاة والصوم والحج وغير ذلك رفع للبراءة الأصلية وليس بنسخ.
ويخرج منه بقيد “بخطاب آخر” رفع الحكم بالجنون والموت.
ويخرج بقيد “متراخ عنه” ما كان متصلا بالخطاب كالتخصيص فإن ذلك لا يسمى نسخا.
جـــــواز النسخ ووقـــوعه:
النسخ جائز بدليل الكتاب والسنة والإجماع والعقل والوقوع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة).
أما السنة: فقوله -صلى الله عليه وسلم-: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها..” الحديث.
الإجماع: فقد أجمعت الأمة على جواز النسخ ووقوعه في هذه الشريعة.
أما العقل: فإن النسخ هو مقتضى الحكمة والعقل، فللنسخ حكم كثيرة منها:
1- مراعاة مصالح العباد بتشريع ما هو أنفع في دينهم ودنياهم.
2- التطور في التشريع حتى يبلغ الكمال.
3- اختبار المكلفين باستعدادهم لقبول التحول من حكم إلى آخر ورضاهم بذلك.
4- اختبار المكلفين بقيامهم بوظيفة الشكر إذا كان النسخ إلى أخف، ووظيفة الصبر إذا كان النسخ إلى أثقل.
أما الوقوع: فهو حاصل في كثير من النصوص كما سيأتي معنا.
شروط النسخ:
أن يكون الناسخ وحيا من كتاب أو سنة:
فالنسخ لا يجوز بالقياس ولا بأدلة العقل، أما الإجماع فإذا قصد بذلك حصول النسخ بمجرده فهو لا يجوز، فإن الإجماع لا ينعقد إلا بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- وبعد وفاته ينقطع النسخ لأنه تشريع، ولا تشريع بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-، وإذا وجد في كلام العلماء أن الإجماع نسخ نصا فالمراد بالإجماع الناسخ، النص الذي استند إليه الإجماع لا الإجماع نفسه، فيكون من قبيل نسخ النص بنص مثله.
قال صاحب المراقي -رحمه الله- في بيان ذلك:
فلم يكن بالعقل أو مجرد    الإجماع بل ينمى إلى المستند
وقال الإمام القرطبي -رحمه الله- في معرض كلامه عن النسخ:
“وهذا كله في مدة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأما بعد موته واستقرار الشريعة فأجمعت الأمة أنه لا نسخ، ولهذا كان الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به إذ انعقاده بعد انقطاع الوحي، فإذا وجدنا إجماعا يخالف نصا فيعلم أن الإجماع استند إلى نص ناسخ لا نعلمه نحن وأن ذلك النص المخالف متروك العمل به، وأن مقتضاه نسخ.. فتأمل فإنه نفيس” الجامع لأحكام القرآن 2/65.
أن يكون الناسخ والمنسوخ متساويين في القوة (وفيه خلاف) أو الناسخ أعلى.
– العلم بـتأخر الناسخ، ويعلم ذلك إما بالنص أو بخبر الصحابي أو بالتاريخ أو بالإجماع.
تعذر الجمع بين الدليلين فإذا أمكن الجمع فلا نسخ لإمكان العمل بكل منهما.
ما لا نسخ فيه:
– لا يجوز النسخ في الأخبار، وعلى رأس هذه الأخبار: التوحيد والصفات وسائر الاعتقاد، لعدم وقوع التناقض بينهما، لا في شريعة نبينا مع شريعة من قبله، ولا في شريعة نبينا في المتقدم منها مع المتأخر، فلا نسخ في التوحيد.
– لا نسخ في الأخبار بشكل عام، مثل قصص الأنبياء، فالأخبار التي أخبر بها ربنا والتي أخبر بها نبينا عليه الصلاة والسلام، فهذه لا تقبل النسخ.
– لا يتصور النسخ في الفضائل (فضائل الأعمال) لأنها ليست بحكم عملي فهي أخبار أيضا، كما لا يتصور النسخ في الأخلاق، فمثلا ربنا سبحانه يحثنا على الكرم ثم يقول: لا الآن أنتم كونوا بخلاء هذا غير متصور.
– لا يقع النسخ في مقاصد الشريعة الكلية في المحافظة على الأمور الخمسة ولا في القواعد الكلية.
– لا يجوز النسخ في الأحكام الجزئية العملية التكليفية إذا اقترنت بما دل على تأييدها، كما ثبت في الصحيح في حديث المعراج جاء فيه: “هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي“، وكذلك ثبت عند أبي داود من حديث معاوية -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها”، فهذا الحكم دلّ على أن الهجرة معلقة بالتوبة، وأن التوبة معلقة بطلوع الشمس من المغرب، فإذن الهجرة حكم محكم باق إلى يوم الدين.
– الشيء الذي ينسخ هو المباح والحرام والواجب ولا يعرف مكروها ولا مسنونا نسخ، وقد ينسخ الحرام إلى مسنون كما في الحديث: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور..” الحديث.

وللبحث بقية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *