4- محبّةُ مَنْ أحبّ وبُغض مَنْ أبغض:
وهذا أوثق عرى الإيمان كما صحّ عنه الحديث بذلك عليه الصّلاة والسلام، وذلك بمحبّة ما أحبّ من الأعمال والخصال والآداب ومحبّة مَنْ أحبّ من الأشخاص، وبغض ما أبغض من الأعمال والخصال والآداب، وبغض مَنْ أبغض من الأشخاص، ولا يكون صادقاً في حبِّه مَنْ يحبّ ما يبغض ويبغض ما يحبّ، وشواهد هذا ودلائله كثيرة، قال صلى الله عليه وسلم: “من أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني”(رواه الحاكم عن سلمان). قال صلى الله عليه وسلم: “من أحبّهما فقد أحبّني ومن أبغضهما فقد أبغضني (يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما، رواه أحمد عن أبي هريرة). وقال صلى الله عليه وسلم: “من أحبّني فليحب أسامة) رواه مسلم عن فاطمة بنت قيس(، وقال صلى الله عليه وسلم: “آية الإيمان حبّ الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار” رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك.
فحبّ الصّحابة وآل بيت النبيِّ صلى الله هليه وسلم ومن اتبعهم بإحسان من أهل العلم والفضل وأهل العبادة والزّهد وأهل البذل والجود وأهل المعروف والإحسان كلّ ذلك من حبّ من أحبّ، وكذلك حبّ الأعمال الفاضلة والآداب الكاملة والمعاملة الحسنة كلّ ذلك من حبّ ما أحبّ، وهكذا القول في أضداد ذلك من أهل السّوء وأعمال السّوء، فبغضهم مِن بغض ما أبغض، على أن رتب الناس في هذا الباب ثلاثة:
1- من لهم حبّ لا بغض معه وهم أهل الإيمان والصّلاح والاستقامة.
2 – من لهم بغض لا حبّ معه وهم أهل الكفر والشِّرك والنّفاق.
3 ـ من لهم حبّ وبغض وهم عصاة أهل الإيمان فلهم حبّ لما عندهم من الصّلاح والإيمان وبغض لما عندهم من الفسوق والعصيان.
5- الحذر من الغلو فيه ورفعه فوق منـزلته التي أنزله الله إياها
ومن خفي عليه هذا الأصل زلّت قدمُه بالغلو في شخصه عليه الصلاة والسلام بدعوى إظهار محبّته، وقد حذّر النبيّ “صلى الله عليه وسلم” من ذلك أشدّ التحذير في أحاديث كثيرة.
فعن يحيى بن سعيد قال: كنا عند علي بن الحسين فجاء قوم من الكوفيين، فقال علي: يا أهل العراق أحبّونا حبّ الإسلام، سمعت أبي يقول: قال رسول الله “أيها الناس لا ترفعوني فوق قدري، فإن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبيا وليتأمل قوله: “حبونا حبَّ الإسلام” إذ هو الحبُّ النافع المقبول، وأما حبّ الغلاة فليس هو حبّ الإسلام الذي أمرنا به في القرآن والسنة.
فعن أنس رضي الله عنه أن ناساً قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، فقال: “يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينّكم الشيطان، أنا محمّد عبد الله ورسوله، ما أحبّ أن ترفعوني فوق منـزلتي التي أنزلني الله عزّ وجل” (رواه النسائي بسند جيد، وعن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تطروني كما أطرت النّصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله)) رواه البخاري ومسلم.
6- الحذر من البدع والبعد عن الأهواء.
والأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم في التحذير من البدع كثيرة معروفة، ولربما ظنّ بعضُ الناس أنّ الطّريقة المثلى لإظهار محبّته ركوب البدع واتباع الأهواء وإحالة الدِّين إلى طقوس ورسوم وأعمال لا أثارة عليها من علم ولا شاهد عليه من الكتاب والسنة..
قال أبو بكر رضي الله عنه: “إنما أنا متّبع ولست بمبتدع، فإن استقمت فتابعوني وإن زغت فقوموني” رواه ابن سعد في الطبقات. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “اتّبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم) رواه الدّارمي وقال رضي الله عنه .(الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة) رواه الحاكم في المستدرك. وعن عثمان الأزي قال: دخلت على ابن عباس رضي الله عنه فقلت له: أوصني، فقال: عليك بتقوى الله والاستقامة، اتبع ولا تبتدع ) رواه الدارمي)
والموفَّق من اتبع خطاهم ولزم نهجهم وسلك سبيلهم، فهم أهدى أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم سبيلاً، وأقومهم قيلاً، وأحسنهم طريقاً، ألحقنا الله وإيّاكم بهم، ورزقنا متابعتهم وسلوك سبيلهم، وجعلنا جميعاً من عباده المتّقين، ونسأله سبحانه أن يجعلنا من المتبعين له المؤمنين به، الصّادقين في محبته، وأن يحيينا على سنته ويتوفانا عليها، وأن يحشرنا يوم القيامة في زمرته وتحت لوائه، وأن يمنَّ علينا بشفاعته، وأن يغفر لنا خطأنا وتقصيرنا، إنه سبحانه سميع الدّعاء، وأهل الرّجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.