الرجاءُ هو الطّمَع في ثواب الله على العمل الصالح وقيل: الرجاء حادٍ يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب، وهو الله والدار الآخرة، ويُطَيِّب لها السير.
وقيل: هو الاستبشار بجود فضل الرب تبارك وتعالى والارتياح لمطالعة كرمه سبحانه.
وقيل: هو الثقة بجود الرب تعالى.
وقيل: هو النظر إلى سعة رحمة الله ( ).
وشرطُ الرجاء تقديمُ العمل الحسن، والكفُّ عن المحرّمات أو التوبة منها، وأما تركُ الواجبات واتباع الشهوات والتمني على الله ورجاؤه فذلك يكون أمنًا من مكر الله لا رجاءً.
قال تعالى: (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:99].
وقد بيّن الله تعالى أنّ الرجاء لا يكون إلا بعد تقديم العمل الصالح، ولا يكون بدونه، قال عزّ وجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) [فاطر:29]، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة:218].
والرجاءُ عبادة لا تصرَف إلا لله تعالى، فمن علَّق رجاءه بغير الله فقد أشرك، قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف:110].
والرجاء وسيلة إلى الله تعالى، فقد جاء في الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى: (أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني) ( )
أنواع الرجاء:
قال أهل العلم: الرجاء ثلاثة أنواع:
الأول: رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله، فهو راج لثوابه. فهذا رجاء محمود.
والثاني: رجاء رجل أذنب ذنبًا ثم تاب منه وندم ورجع لله تعالى، فهو راج لمغفرة الله وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه. وهذا أيضا رجاء محمود.
والثالث: رجل متمادٍ في التفريط والخطايا منغمس في الذنوب والمعاصي وهو يدعي أنه يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور والرجاء الكاذب. وهذا رجاء مذموم.
وفي مثل هذا قال بعض أهل العلم: “إن مثل الراجي مع الإصرار على المعصبة، كمثل من رجا حصادا وما زَرَعَ، ورجا ولدا وما نَكَحَ”.
وقال العلامة ابن القيم: “وهذا الضرب في الناس قد تعلق بنصوص الرجاء، واتَّكل عليها، وتعلق بكلتا يديه، وإذا عوتب على الخطايا، والانهماك فيها سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله، ومغفرته، ونصوص الرجاء. وللجهال من هذا الضرب من الناس في هذا الباب غرائب وعجائب.” ( )
وما أجمل ما قال الشاعر:
ما بال دينك تَرضَى أن تُدنسـه * وإنَّ ثوبك مغسـول من الدَّنَسِ
ترجو النجاةَ ولم تَسْلُك مسالكَها * إن السفينة لا تجري على اليَبَسِ
وجوب الجمع بين الخوف والرجاء
والواجبُ الجمع بين الخوفِ والرجاء، وأكملُ أحوال العبد محبّة الله تعالى مع اعتدالِ الخوف والرجاء، وهذه حالُ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقد وصف الله سبحانه أنبياءه والصالحين من عباده أنهم يجمعون بين الخوف والرجاء فقال تعالى :(إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء:90]، وقال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [السجدة:16].
فإذا علم المسلم شمولَ رحمة الله وعظيمَ كرمه وتجاوزه عن الذنوب العظام وسعةَ جنّته وجزيلَ ثوابه انبسطت نفسُه واسترسلت في الرجاء والطمَع فيما عند الله من الخير العظيم، وإذا علِم عظيمَ عقاب الله وشدّةَ بطشه وأخذه وعسيرَ حسابه وأهوالَ القيامة وفظاعةَ النار وأنواع العذاب في النار كفَّت نفسه وانقمَعت وحذرت وخافت، ولهذا جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله لى الله عليه وسلم قال: (لو يعلمُ المؤمن ما عند الله من العقوبةِ ما طمع بجنّته أحد، ولو يعلم الكافرُ ما عند الله من الرحمةِ ما قنط من جنّته أحد) ( ).
وقد جمع الله بين المغفرةِ والعذاب كثيرًا فقال تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ) [الرعد:6]، ونقل الغزاليّ رحمه الله عن مكحول الدمشقيّ قال: “من عبد الله بالخوفِ وحدَه فهو حروريّ، ومن عبده بالرجاء فهو مرجئيّ، ومن عبده بالمحبّة فهو زِنديق، ومن عبَده بالخوف والرجاء والمحبّة فهو موحِّد سنيّ”( ).
وجاء في مدارج السالكين لابن القيم رحمه الله: “القلبُ في سَيره إلى الله عزّ وجلّ بمنزلة الطائر، فالمحبّة رأسُه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلِم الرأس والجناحان فالطائر جيِّد الطيران، ومتى قطِع الرأس مات الطائر، ومتى فُقِد الجناحان فهو عرضَة لكلّ صائد كاسر. ولكنّ السلفَ استحبّوا أن يُقوَّى في الصحّة جناحُ الخوف على جناحِ الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يُقوَّى جناح الرجاء على جناح الخوف، فالمحَبة هي المركب، والرجاء حادٍ والخوف سائق، والله الموصِل بمنِّه وكرمه”( )
قال الله تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ) [الحجر:49، 50].