تقوم عقيدة أهل السنة والجماعة وأتباع منهج السلف، في باب توحيد الأسماء والصفات على إثبات ما أثبته الله عز وجل لنفسه في كتابه، وما أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته، من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل. ونفي ما نفاه الله عن نفسه وما نفاه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته، مع اعتقاد أن الله موصوف بكمال ضد ذلك الأمر المنفي.
فلا يصف الله تعالى أعلم به منه، ولا يصف الله تعالى أعلم به من رسوله عليه الصلاة والسلام، {أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ} [البقرة:140]، وهذه صفات حقيقية لا مجازية لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ} [النساء:170]، وقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} [يونس:108]، وقوله: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:29] وقوله: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [الرعد:19].
وقد لخص الإمام مالك رحمه الله تعالى هذه العقيدة الصحيحة الصافية في كلمات قليلات جمعت فأوعت، فعن سفيان بن عيينة قال: “سأل رجل مالكا، فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى يا أبا عبد الله؟
فسكت مالك مليا حتى علاه الرُحَضَاء؛ وما رأينا مالكا وجد من شيء وجده من مقالته، وجعل الناس ينظرون ما يأمر به، حتى سري عنه فقال: الاستواء منه معلوم؛ والكيف منه غير معقول؛ والسؤال عن هذا بدعة؛ والإيمان به واجب، وإني لأظنك ضالا، أخرجوه”. نقله الذهبي عن مالك في العرش(2/184) ثم قال عقبه: “وقد تقدم نحوه عن أم سلمة، ووهب بن منبه، وربيعة الرأي، فانظر إليهم كيف أثبتوا الاستواء لله تعالى، وأخبروا أنه معلوم لا يحتاج لفظه إلى تفسير، ونفوا الكيفية عنه وأخبروا أنها مجهولة” اهـ.
وهذه القاعدة الذهبية تصدق على كل الصفات الإلهية، مع تجنيب الآخذ بها مزالق كل من غلاة الإثبات (المشبهة)، وغلاة التنزيه (المعطلة).
إن قول الإمام مالك: “الاستواء منه معلوم” يتضمن ردا على فرقة ثالثة قسمة للمشبهة والمعطلة، وهم مفوضة معاني الصفات.
وهؤلاء هم الذين يثبتون ألفاظ الصفات، كما وردت في الكتاب والسنة، مع تفويضهم العلم بمعانيها اللغوية إلى الله عز وجل، فلا يعلم معناها عندهم أحد إلا الله.
وهم يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا يجهلون معاني الصفات الإلهية، وأنه لا فرق بين قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، وقوله: {كهيعص} وقوله: {المر} وغيرها من فواتح السور..
وهذا المذهب هو شر المذاهب على الإطلاق فقد جمع بين التعطيل الذي هو حقيقته ومؤداه، وبين تجهيل النبي صلى الله عليه وسلم، وبين نسبة هذا المنهج للسلف الصالح وتسويقه على أنه مذهبهم، ولهذا يقولون (مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم).
قال شيخ الإسلام: “..فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد” [درء تعارض العقل والنقل؛1/116].
وقد وقع خلط كبير بين هذا التفويض الخَلَفي للمعاني، وبين تفويض السلف لكيفيات هذه الصفات لا لمعانيها، قال الإمام الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر (ص:218): “الإجماع العاشر: وأجمعوا على وصف الله تعالى بجميع ما وصف به نفسه ووصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم من غير اعتراض فيه ولا تكييف له، وأن الإيمان به واجب وترك التكييف له لازم”.
فملاك القول إذن أن مذهب السلف الصحيح هو إثبات معاني الصفات وتفويض الكيفية، ومذهب المفوضة أهل التجهيل هو تفويض المعنى.