حاجة البشرية إلى الإسلام

حين يشتد الظلام ويطول الليل تكون الحاجة ماسة إلى قبس من النور يبدده ويزيله، وحين ينتفش الباطل وينتفخ ويتطاول المبطلون تشتد الحاجة إلى وجود طلائع من الناس تحمل الحق وتعيده إلى نصابه وتصرع الباطل وتدمغه وتزهقه، فيتبين للناس حينئذ الرشد من الغي، والهدى من الضلال، ويميزون بين الظلمات والنور.

والعالم اليوم يمر بحالة استثنائية، اضطربت فيها المعايير واختلت الموازين في مختلف نواحي الحياة، فالعالم اليوم بحاجة إلى من ينقذه من وهدته وشقائه، بحاجة إلى من يأخذ بيده إلى شاطئ السلامة وبر الأمان حتى لا يغرق في ظلمه وظلامه، ويقع في سوء فعاله!
ولا يملك أحد علاجاً ناجحاً ودواء ناجعاً للبشرية مما تعانيه بعد الله تعالى إلا المسلمون، المسلمون وحدهم، هم القادرون على الإنقاذ والعلاج. لا نعني بالمسلمين مسلمة الدار ممن يأخذون الإسلام أمنيات وأحلاماً، مسلمون لأنهم في بلاد إسلامية أو لأنهم سلالة المسلمين أو لأنهم يحملون وثائق تثبت إسلامهم، ولا نعني بالمسلمين أيضا الذين تنكروا لدينهم وهويتهم وانصهروا في بوثقة التغريب والعلمنة.
ولكننا نعني بالمسلمين الأمة الربانية المؤمنة الواعية المستيقظة، التي خاطبها الله تعالى بقوله: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً” البقرة، والوسط من الناس: هم الخيار العدول.
هذه الأمة الخيرة العادلة هي التي قال الله فيها مبيناً أسباب رفعتها وخيريتها وشرفها في قوله الكريم: “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ” آل عمران.
لم تنل هذه الأمة هذه المكافأة ولم تستحق هذا التكريم إلا بسبب معروفها وإحسانها، فهي الداعية إلى الخير السابقة إلى الإيمان المؤمنة بالله، تقدم الخير للبشرية، وتخرجها من الظلمات إلى النور، المجاهدة في سبيل الله الباذلة نفوسها وأموالها في مرضاة الله جل وعلا.
إن واجب الأمة المسلمة أن تدرك وظيفتها ومهمتها في الحياة، إنها أمة داعية إلى الخير والحق والهدى والنور، لا مدعوة، إنها أمة قائدة رائدة، لا مقودة ولا تابعة.
يريد الله أن تكون القيادة للخير في هذا العالم لا للشر، وعلى هذا ينبغي أن تقوم أمة الإسلام بواجبها في التمسك بهذا الدين وتصديره للآخرين ودعوتهم إليه، كما لا ينبغي لها ولا يجوز أن تتلقى أو تتسول من غير المسلمين مناهجهم وطرائقهم وأنظمتهم وأخلاقهم الباطلة، إنما واجبها أن تكون دائماً معطاءة، ولديها ما تعطيه من الاعتقاد الصحيح، والتصور السليم، والنظام السديد، والخلق القويم، والمعرفة والعلم الصحيح هذا واجبها الذي يحتمه عليها مكانها ومكانتها، وتحتمه عليها غاية وجودها.. واجبها أن تكون في الطليعة دائماً وفي مركز القيادة دائماً في القمة لا في السفح.
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
ليس بالأماني فقط وإنما عملاً وإيماناً ودعوة وكفاحاً لا ادعاء واتكالاً.
إن واجب الأمة أن تضطلع بمهامها وتنهض برسالتها في التمسك بالإسلام والدعوة إليه وإصلاح الخلل والفساد الذي عم الحياة، وإقامة موازين الحق والخير والعدل في دنيا الناس. ولا شك أن هذا طريق مليء بالمتاعب والمشاق لا يصمد فيه ويسير عليه إلا أهل الصدق والإيمان، ممن آمنوا بالله وامتلأت قلوبهم بعظمته وجلاله واستشعروا معيته تعالى وأنه معهم ناصرهم ومدافع عنهم، وأن أمور الخلق ونواصيهم بيده.
أصحاب الصدق واليقين هؤلاء يمضون في طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة والكفاح. يواجهون الشر في عنفوانه وجبروته، ويواجهون طاغوت الشهوات والشبهات ويواجهون في الأمة هبوط أرواحها وكلل عزائمها، يواجهون الدنيا كلها. لا زاد لهم إلا الإيمان، ولا عدة لهم إلا الصبر واليقين، ولا سند لهم ولا ناصر إلا الله الجبار المنتقم المحيط بالكافرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *