التطاول على مقام العلماء د. يوسف بن محمد مازي

اعتبر القرآن الكريم العلم الحق داعية إلى الإيمان ودليلا عليه، قال تعالى: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّـهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم .
إنها معان ثلاثة قررتها الآية الكريمة يترتب بعضها على بعض، فالعلم يتبعه الإيمان ترتيبا بلا تراخ، ليعلموا فيؤمنوا. والإيمان تتبعه حركة القلوب من الإخبات والخشوع لله تعالى. وهكذا يثمر العلم الإيمان ويثمر الإيمان الإخبات والتواضع لله تعالى وحده لا شريك له.
وفي مقابل ذلك يكتسب العلماء هذا الإخبات والتواضع لله تعالى عزة على خلق الله في الحق لا في الباطل. فترى للعالم الورع الرباني المخلص لله تعالى من الشرف والحب والإجلال والتقدير في قلوب العباد ما ليس لغيره من ذوي المناصب في البلاد. ويتبوأ الدرجات العليا التي لا يستطيعها غيره حاكما أو محكوما تبوؤها، يقول الشاعر:
إن الأكابر يحكمون على الورى وعلى الأكابر يحكم العلماء
ولهذا وجدنا في تراثنا من النقول في هذا الباب ما لا يسعف في ذكرها سوى الإيجاز والإجمال مراعاة لما يقتضيه المقام ويستلزمه الحال. ولكن سأكتفي بهذه الوصية العمرية على سبيل الاستشهاد والتمثيل اكتفاء به عن الحصر والتفصيل.
قال عمر رضي الله عنه: “أيها الناس عليكم بطلب العلم فإن لله رداء محبة فمن طلب بابا من العلم رداه الله بردائه ذاك”.
وباستقراء ما ورد في هذا الباب يتبين أن المقصود بالعلم في بعض هذه النقول هو العلم بمعناه الاصطلاحي الحادث أي: إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازما. فيشمل العلوم النظرية الدنيوية أيضا التي تختلف عن الشرعية لكونها تتعلق بالوسائل والآلات، أما العلم الديني فمتعلقه بالمقاصد والغايات.
وإنما الذي يعنينا نحن في هذه المقالة العلم الشرعي، والفقه بنصوص الشرع؛ العلم بما أنزل الله على رسوله من البينات والهدى والفرقان، فيكون العلماء بهذا القصد هم العلماء بالله كما قال شيخ الإسلام متأولا قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ حيث مهد رحمه الله إلى أن المقصود بقول الله تعالى العلماء في الآية: العلماء به سبحانه أي العارفون به جل في علاه.
وبهذا نحترز أيضا عن العلم المجرد عن مقام الفقه بالشيء، الذي يفترق عنه في أمور منها:
– أن العلم معرفة بالظاهر فحسب والفقه معرفة بالظاهر والباطن معا.
– العلم يتصل أكثر ما يتصل بالعقل وحده، وأما الفقه فيتصل بالعقل والقلب معا فيتجلى على الجوارح.
قال الشاعر:
الـعلم قـال الله قـال رسوله — قال الصحابة هم أولوا العرفان
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة — بين النصوص وبين رأي فلان
هذا هو العلم الذي نتغيا، وهؤلاء هم العلماء الذين نرمو، العلماء الذين جعلهم الله ورثة الأنبياء بحق، ووسم بهم كل عصر ومصر، فلا يمكن أن يخلو عصر أو مصر من علماء أو مجددين يجددون لهذه الأمة دينها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *