التَّوحِيدُ الخَالِصُ: (22) توحيد الألوهية

الطــواف
الطواف في اللغة: الدوران حول الشيء، وهو كذلك في الاطلاح الشرعي؛ إلا أنه قد خُصَّ بكونه عبادة يتقرب بها لله تعالى في مكان معين لا يتحقق التعبد بالطواف في غيره، وهذا المكان هو بيت الله الحرام.
فالطواف ببيت الله الحرام عبادة جليلة رتب الله عليها أجرا عظيما، فقد روى الترمذي عَنْ عبد الله بْن عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ أُسْبُوعًا1 فَأَحْصَاهُ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ، لا يَضَعُ قَدَمًا وَلا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطِيئَةً وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً). صححه الألباني في صحيح الترمذي.
ولا يجوز الطواف بغير الكعبة المشرفة، سواء كان حول قبر نبي أو صالح أو غير ذلك؛ لأن الطواف “عبادة مختصة بالبيت”2، كما قال تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج:29].
ولهذا لما بين العلامة ابن جُزَيّ ما يصح به الطواف من الشروط ذكر منها: “أن يطوف بداخل المسجد” أي المسجد الحرام حول الكعبة.
وقد نص على ذلك من أئمة المذهب المالكي؛ القرافي وخليل والزرقاني والجعلي والشنقيطي وميارة والخرشي..
ومرادهم أن الطواف عبادة تختص ببقعة معينة فلا يجوز إيقاعها إلا في المسجد الحرام وحول الكعبة فقط.
3وإن المتأمل لتأكيد هؤلاء الأئمة على هذا المعنى ليلمس أن له ارتباطا عقديا أكثر من كونه بيانا لحكم فقهي .
وهو تأكيد ولا شك على بطلان ما صار شائعا في كثير من بلاد الإسلام من الطواف بالقبور والتقرب إليها بالعبادة من دون الله…
ومن زار كثيرا من الأضرحة الشركية المنتشرة في ربوع المغرب فإنه يسوؤه ويدمي قلبه ما يعاينه من الطواف بهذه القبور.
ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ضريح عبد السلام بن مشيش، وضريح إدريس زرهون، وضريح عبد الله أمغار… وغيرها من الأضرحة التي يطاف بها سبعا وتقبل أركانها الأربعة في كل شوط؛ ويتمسح بتوابيتها وأكسيتها وجدرانها؛ ويتبرك بتربتها… ناهيك عما يصاحب هذا من دعاء المقبور والاستغاثة به والاستعانة.
وهذه البدع الشركية إنما دخلت على المسلمين عن طريق الصوفية، الذين ورثوها عن الشيعة الروافض، ومن قارن ما يجري من الطقوس الشركية بأضرحة جهال عوام أهل السنة، وما يجري بمشاهد الشيعة الروافض استيقن هذا الأمر وتأكد منه.
ورحم الله من قال:
أعادوا بها معنى سواعا ومثله… يغوث وود بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها… كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم نحروا من سوحها من نحيرة… أهلت لغير الله جهرا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبلا… ويستلم الأركان منهن باليد

وتعظيم القبور والتقرب إليها أمر حادث ومبتدع في الإسلام بعد القرون الفاضلة، قال شيخ الإسلام: “لم يكن في العصور المفضلة مشاهد على القبور، وإنما ظهر ذلك وكثر في دولة (بني بويه)، لما ظهرت القرامطة بأرض المشرق والمغرب، كان بها زنادقة كفار مقصودهم تبديل دين الإسلام، وكان في “بني بويه” من الموافقة لهم على بعض ذلك، ومن بدع الجهمية والمعتزلة والرافضة ما هو معروف لأهل العلم، فبنوا المشاهد المكذوبة “كمشهد علي” -رضي الله عنه- وأمثاله، وصنف أهل الفرية الأحاديث في زيارة المشاهد والصلاة عندها والدعاء عندها وما يشبه ذلك، فصار هؤلاء الزنادقة وأهل البدع المتبعون لهم يعظمون المشاهد ويهينون المساجد، وذلك: ضد دين المسلمين، ويستترون بالتشيع، ففي الأحاديث المتقدمة المتواترة عنه من تعظيم الصدِّيق، ومن النهي عن اتخاذ القبور مساجد، ما فيه رد لهاتين البدعتين -أي: التشيع وتعظيم القبور- اللتين هما أصل الشرك وتبديل 4الإسلام” .
وقال: “والعبادات بأسرها الصلاة والسجود والطواف والدعاء والصدقة والنسك… لا يصلح إلا لله ولم يخص الله بقعة تفعل الصلاة فيها إلا المساجد؛ لا مقبرة ولا مشهدا ولا مغارة ولا مقام نبي ولا غير ذلك، ولا خص بقعة غير المساجد بالذكر والدعاء إلا مشاعر الحج؛ لا قبر نبي ولا صالح ولا مغارة ولا غير ذلك”5 .

———————-
(1) – أي سبعة أشواط كما في النهاية لابن الأثير وغيرها.
(2) – المعونة 1/370.
(3) – أنظر: جهود المالكية في تقرير توحيد العبادة، ص:361-362.
(4) – مجموع الفتاوى (27/167-168) بتصرف يسير.
(5) – منهاج السنة النبوية (2/447-448).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *