عاشوراء بين الاتباع والابتداع

كان الناس في الجاهلية يعظمون يوم عاشوراء وكانوا يَسْـتُرونُ فيه الكعبة ويصومونه، و”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية” متفق عليه.

ولما جاء الإسلام ‏و”‏قدم صلى الله عليه وسلم‏ ‏المدينة .. وجد ‏اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم:‏ ‏ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه ‏موسى ‏‏وقومه وأغرق فرعون وقومه. فصامه ‏موسى ‏شكرا، فنحن نصومه. فقال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم: ‏فنحن أحق وأولى‏ بموسى ‏منكم. فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏وأمر بصيامه” متفق عليه و اللفظ لمسلم.
وقال فيه صلى الله عليه وسلم: “صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله” رواه مسلم.
‏ولما قيل له: “إنه يوم تعظمه ‏ ‏اليهود ‏ ‏والنصارى” ‏قال:‏ “‏فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صُمنا اليوم التاسع” فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم” رواه مسلم.
فلا يُشرع في هذا اليوم غير الصيام وهذا ما جرى عليه عمل الصحابة رضي الله عنهم دون أن يخالفهم أحد إلى سنة 61 هجرية حيث قدر الله عز وجل أن يُقتل سيدنا الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء “مظلوماً شهيداً شهادة أكرمه الله بها، وألحقه بأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأهان بها من ظلمه، واعتدى عليه.”
فمقتل سيدنا الحسين رضي الله عنه في العاشر من محرم لن يغير من حقيقة عاشوراء التشريعية شيئا، بل لو قتل نبي من الأنبياء صلوات الله عليهم في هذا اليوم لما غيَّر فيه شيئا من حيث العبادات المشروعة زيادة ونقصا.
فعلى إثر مقتل الحسين رضي الله عنه اتخذ الشيعة الروافض عاشوراء مناسبة لإظهار الحزن ولبس السواد والنياحة.. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه يُحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ، والبكاء والعطش، وإنشاد المراثي، وما يُفضي إليه ذلك من سبِّ السلف ولعنهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب.. وكان قصد من سنَّ ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة، فإن هذا ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم” منهاج السنة 4/554.
وقال الحافظ ابن كثير: “وقد أسرف الرافضة في دولة بني بُوَيْه في حدود الأربعمائة وما حولها فكانت الدبادب -أي الطبول- تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء، ويذر الرماد والتبن في الطرقات والأسواق، وتُعلق المُسُوح على الدكاكين، ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتئذ موافقة للحسين لأنه قتل عطشانا.
ثم تخرج النساء حاسرات عن وجوههن ينحن ويلطمن وجوههن وصدورهن، حافيات في الأسواق إلى غير ذلك من البدع الشنيعة، والأهواء الفظيعة، والهتائك المخترعة..” البداية والنهاية 2/220.
قال ابن رجب في لطائف المعارف: “أما اتخاذه مأتماً كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين رضي الله عنه، فهو من عمل من ضلَّ سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعاً ولم يأمر الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم- باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف بمن دونهم” ص 13.
وعلى النقيض من فعل الشيعة نجد النواصب المناقضين للروافض والمضادين لهم قد ابتدعوا بدعا عبروا بها عن فرحهم بمقتل سيدنا الحسين رضي الله عنه فابتدعوا كثيرا من محدثات “الأمور مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة، إما حبوب وإما غير حبوب، أو تجديد لباس أو توسيع نفقة، أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به، أو قصد الذبح أو ادخار لحوم الأضاحي، ليطبخ بها الحبوب، أو الاكتحال أو الاختضاب، أو الاغتسال أو التصافح أو التزاور، أو زيارة المساجد والمشاهد، ونحو ذلك فهذا من البدع المنكرة التى لم يَسُنَّها رسول الله ولا خلفاؤه الراشدون ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين لا مالك..” ولا غيره.
ومن البدع أيضا تربية الأطفال على التسول في المناسبة باسم التوسعة وانتشار اللعب النارية وغيرها وإيقاظ النيران في الطرقات، وانتشار المعازف ..
و قد وضع النواصب في ذلك من الأحاديث العدد الكثير قال العلامة ابن القيم في المنار المنيف: “وأما أحاديث الاكتحال والادهان والتطيب، فمِن وضع الكذابين، وقابلهم آخرون فاتخذوه يوم تألم وحزن، والطائفتان مبتدعتان خارجتان عن السنة، وأهل السنة يفعلون فيها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم، ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع” ص103-104.
فملاك القول إذن، أن “هذه بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل للحسين رضي الله عنه، وتلك بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل له وكل بدعة ضلالة ولم يستحب أحد من أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا ولا في شيء من استحباب ذلك حجة شرعية، بل المستحب يوم عاشوراء الصيام عند جمهور العلماء ويستحب أن يصام معه التاسع ومنهم من يكره إفراده بالصيام..” منهاج السنة النبوية 4/555-556

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *