من أخلاقيات الدعوة “التبشير”

التبشير شعار أعلنه المنصرون وتسمو به، وسلكوا طرقه وأساليبه وكثيرا ما نرى أساليبهم يستبشر لها المتعاملون معهم، بينما كانت طريقة تعامل بعض الدعاة ينفِر منها المدعوون، أو ليس الداعية أحق باسم التبشير خلقا ووسيلة وغاية؟!

والقصد بخُلق التبشير: التخلق بالصفات التي تستدعي الاستئناس والارتياح، والتحبب وبث الأمل في القلوب، والبعد عن أساليب التنفير ودواعي الانقباض.
ولقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرا لأتباعه، نذيرا لأعدائه، بل كانت مهمة الرسل لا تعدوا هذين الوصفين: “وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ”، وقد أمر الله في كتابه بتبشير المومنين والصابرين والمحسنين والمخبتين في آيات كثيرة.
وكان من أساليب تبشير رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يختار الوقت المناسب والقدر المناسب لأداء الموعظة والعلم كي لا ينفر الصحابة، وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا” البخاري.
وعلق عليه ابن حجر رحمه الله بقوله: “المراد تأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليه في الابتداء، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل، وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج، لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلا حبب إلى من يدخل فيه، وتلقاه بانبساط، وكانت عاقبته غالبا الازدياد” الفتح 1/163.
ومن حكمته صلى الله عليه وسلم أنه استعمل أساليب التبشير في إيقاظ الهمم والتنشيط للطاعة، ومن ذلك قوله: “بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة” صحيح سنن ابن ماجة.
وصلى العشاء مرة بأصحابه وقبل أن ينصرفوا قال لهم: “على رسلكم، أبشروا، إن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيركم، قال أبو موسى الأشعري: فرجعنا ففرحنا بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم” البخاري.
بل حتى في حالات الضعف البشري لم يكن عليه الصلاة والسلام ليعنف أصحابه بفظاظة وغلظة، وهم الذين سمعوا بقدوم أبي عبيدة بجزية البحرين، فاجتمعوا على صلاة الفجر، وتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ففهم ماذا يريدون قال: “فأبشروا وأمِّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا..” البخاري.
والمؤمن محتاج في حال البلاء إلى من يكشف همه، ويبشره بما يسره إما بفرج عاجل، أو بأجر آجل، ولقد وجدَ عليه الصلاة والسلام أم العلاء مريضة فقال لها: “أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب خطاياه كما تذهب النار خبث الحديد” صحيح الجامع.
ومبنى هذا الخلق وأساسه أن يكون المسلم مصدرا للفأل الحسن والأمل الواسع والعاقبة الخيرة، وألا يرى أخوه منه ما يكره.
أفبعد كل هذه الإشارات يقبل أحدنا لنفسه أن يكون مصدر شؤم ومظنة تخذيل أو إحباط، أو تنفير أو قتل للقدرات؟
أم نشيع البشرى، وننشر التفاؤل ونحيي النفوس، ونحرض على الخير، ونعين على المعروف، ونستنهض الهمم؟
إلى أن يكون كل منا بشيرا لإخوانه يحيي فيهم الأمل ويدفعهم إلى مزيد من العمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *