وقفات مع كتاب التعالم المبحث الثاني: في أن العالم لا يُتْبَع بزلة ولا يُؤْخَذُ بهفوة (تتمة) إعداد: عابد عبد المنعم

قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى: “وقال: -أي الذهبي رحمه الله تعالى في كتابه السير- في ترجمة باني مدينة الزهراء بالأندلس: الملك الملقب بأمير المؤمنين عبد الرحمن بن محمد صاحب الأندلس المتوفى سنة 350هـ (رحمه الله تعالى):

(وإذا كان الرأس عالي الهمة في الجهاد، احتملت له هنات، وحسابه على الله، أما إذا أمات الجهاد، وظلم العباد، وللخزائن أباد، فإن ربك لبالمرصاد) اهـ.
وقال في ترجمة: القفال الشاشي الشافعي المتوفى سنة 365 هـ (رحمه الله تعالى):
(قال أبو الحسن الصفار: سمعت أبا سهل الصعلوكي وسُئل عن تفسير أبي بكر القفال، فقال: قدسه من وجه ودنسه من وجه، أي: دنسه من جهة نصره للاعتزال.
قلت: قد مر موته، والكمال عزيز، وإنما يمدح العالم بكثرة ما لَه من الفضائل، فلا تدفن المحاسن لورطةٍ، ولعله رجع عنها. وقد يغفر له في استفراغه الوسع في طلب الحق ولا حول ولا قوة إلا بالله) اهـ.
وبعد أن ذكر بعض الهفوات لأبي حامد الغزالي المتوفى سنة 505 هـ قال (رحمه الله تعالى) قال:
(قلت: الغزالي إمام كبير، وما من شرط العالم أنه لا يخطئ) اهـ.
وقال أيضاً: (قلت: مازال الأئمة يخالف بعضهم بعضاً، ويرد هذا على هذا، ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل) اهـ.
وقال أيضاً: (فرحم الله الإمام أبا حامد، فأين مثله في علومه وفضائله ولكن لا ندعي عصمته من الغلط والخطأ. ولا تقليد في الأصول) اهـ.
ونبه على حال مجاهد فقال: (قلت: ولمجاهد أقوال وغرائب في العلم والتفسير تُستنكر) اهـ.
وقال في ترجمة ابن عبد الحكم: (قلت: له تصانيف كثيرة، منها: كتاب في الرد على الشافعي. وكتاب أحكام القرآن. وكتاب الرد على فقهاء العراق. ومازال العلماء قديماً وحديثاً يرد بعضهم على بعض في البحث وفي التواليف، وبمثل ذلك يتفقه العالم، وتتبرهن له المشكلات، ولكن في زمننا قد يعاقب الفقيه إذا اعتنى بذلك لسوء نيته ولطلبه للظهور والتكثر فيقوم عليه قضاة وأضداد، نسأل الله حسن الخاتمة وإخلاص العمل) اهـ.
وفي ترجمة إسماعيل التيمي المتوفى سنة 535 هـ أنه قال: (أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة، ولا يطعن عليه بذلك بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب.
قال أبو موسى -المديني-: أشار بهذا إلى أنه قل إمام إلا وله زلة، فإذا ترك لأجل زلته، ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل) اهـ.
فهذا الذهبي نفسه قد تكلم (رحمه الله تعالى): في أن علوم أهل الجنة تسلب عنهم في الجنة ولا يبقى لهم شعور بشيء منها. وقد تعقبه العلامة الشوكاني في فتاواه المسماة: الفتح الرباني. وذكر إجماع أهل الإسلام على أن عقول أهل الجنة تزداد صفاءً وإدراكاً – لذهاب ما كان يعتريهم في الدنيا. وساق النصوص في ذلك. منها قوله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَِ بمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} يس26-27.
وقال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية النميري رحمه الله تعالى في جواب له بإبطال فتوى قضاة مصر بحبسه وعقوبته من أجل فتواه بشأن شد الرحل إلى القبور:
(إنه لو قدر أن العالم الكثير الفتاوى، أفتى في عدة مسائل بخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، وخلاف ما عليه الخلفاء الراشدون: لم يجز منعه من الفتيا مطلقاً، بل يبين له خطؤه فيما خالف فيه، فمازال في كل عصر من أعصار الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من علماء المسلمين من هو كذلك..) اهـ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *