كان المسلمون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على منهاج واحد في أصول الدين وفروعه، غير من أظهر وفاقا وأضمر نفاقا، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بما سيقع في الأمة من اختلاف وتفرق كما قال في حديث العرباض بن سارية: “فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا” صحيح، وهذا التفرق والاختلاف مما أراده الله جل وعلا كونا وقدرا كما في قوه تعالى: “وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ” وقال تعالى: “وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً”.
قال ابن حزم رحمه الله: “وقد نص تعالى على أن الاختلاف ليس من عنده، وإنما أراده تعالى إرادة كون، كما أراد كون الكفر وسائر المعاصي” الإحكام 5/64، إذن فالله تعالى لم يرد ذلك دينا وشرعا، لأنه نهى عنه وأمر بخلافه قال تعالى: “وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ”.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: “قوله ولا تفرقوا أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف، وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ، كما وردت الأحاديث المتعددة أيضا، وخيف عليهم الافتراق والاختلاف، فقد وقع في هذه الأمة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلمة من عذاب النار، وهم الذين على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه” التفسير 1/397.
وقال تعالى: “وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ”.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الآية: “هم اليهود والنصارى افترقوا على أكثر من سبعين فرقة ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن متابعتهم في نفس التفرق والاختلاف” الاقتضاء 16.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا..” مسلم.
وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: “كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان” قال راوي الحديث: فلم ينزلوا بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمهم”. صحيح
قال صاحب عون المعبود: “قوله من الشيطان أي: يخوف أولياء الله ويحك أعداءه”.
وقال الشيخ مقبل رحمه الله: “هذا التفرق بالأجساد فما بالك بتفرق القلوب؟!”