من مميزات منهج السلف التثبت من الأخبار نور الدين درواش

يمتاز أهل السنة وأتباع منهج السلف بالاهتمام بالعلم الشرعي والاجتماع عليه وبثه في الخَلق نُصرة للحق، ومن آثار احتفائهم به أنه رسخ فيهم مبدأ التثبت من الأخبار قبل إذاعتها ونشرها فلا يُنسب قول أو فعل أو”موقف” لأحد -مسلما كان أو غير مسلم- إلا ببينة وحجة.

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات 6
فالتثبت في سماع الأخبار وتمحيصها ونقلها وإذاعتها والبناء عليها أصل كبير نافع أمَر الله به ورسولُه، صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) فأمر بالتثبت، وأخبر بالأضرار المترتبة على عدمه، وأن من تثبت لم يندم، وأشار إلى الميزان في ذلك في قوله: (أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ) وأنه العلم والتحقق في الإصابة أو عدمه، فمن تحقق وعلم كيف يسمع، وكيف ينقل، وكيف يعمل، فهو الحازم المصيب، ومن كان بضد ذلك فهو الأحمق الطائش الذي مآله الندامة، وأحوج الناس إلى هذا الأمر الولاة على اختلاف مراتبهم وطبقاتهم، وأهل العلم على تفاوت درجاتهم، وذلك يحتاج إلى اجتهاد وتمرين للنفس وتوطين لها على ملازمة التثبت مع الاستعانة بالله، والله الموفق. (1)
وقال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَو الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا) النساء 83
قال العلامة ابن ناصر السعدي: “هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق‏.‏ وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي‏:‏ والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها‏.‏ فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك‏.‏ وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة، أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه (…) وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان‏؟‏ أم لا،فيحجم عنه‏؟”
ومن ثمار التثبت أن الله خص ببيان آياته أهله فقال: (قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
قال الإمام الطبري تعليقا على هذه الآية: “وخص الله بذلك القوم الذين يوقنون؛ لأنهم أهل التثبت في الأمور، والطالبون معرفة حقائق الأشياء على يقين وصحة. فأخبر الله جل ثناؤه أنه بيَّن لمن كانت هذه الصفة صفته ما بين من ذلك ليزول شكه، ويعلم حقيقة الأمر”.
‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال‏: “‏كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع” رواه مسلم في المقدمة.
وعن حذيفة قال: سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول: “‏بئس مطية الرجل: زعموا” رواه أحمد.
‏قال الخطابي في المعالم: أصل هذا أن الرجل إذا أراد المسير إلى بلد ركب مطية وسار حتى يبلغ حاجته فشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما يقدمه الرجل أمام كلامه ويتوصل به إلى حاجته من قولهم زعموا كذا وكذا بالمطية التي يتوصل بها إلى الموضع الذي يقصده، وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه وإنما هو شيء حُكي عن الألسن على سبيل البلاغ فذم النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث ما كان هذا سبيله، وأمر بالتثبت فيه والتوثق لما يحكيه من ذلك، فلا يروونه حتى يكون معزيا إلى ثبت ومرويا عن ثقة انتهى.
فالسالك إلى الله على طريق السلف خاصة ولاسيما من يعمل في مجال نقل المعلومات أيا كان مصدره؛ جريدة أو مجلة، أو موقع إنترنت يتثبت مما ينقله، فلا يفرح بسماع شيء قبل التأكد منه، وهذا هو منهج الإسلام في نقل المعلومات.
أما المخالفون لمنهج السلف والمناوئون له فيغلب عليهم التسرع والعجلة والحماسة الزائدة والعاطفة غير المنضبطة بالشرع، ولذلك تراهم يتلقون الأخبار من كل من هب ودب ويسارعون إلى إذاعتها ونشرها دون تثبت من صحة نقلها أو موافقتها للشريعة ودون مراعاة للمصالح والمفاسد.
ويا لله كم جر هذا المنهج من ويلات على المسلمين؟
وكم فوت عليهم من الخيرات؟ ولاسيما في زمن الفتن، حيث يكثر الخائضون المسارعون لنشر الأخبار دون تأكد من ثبوتها ولا توق لسيء عواقبها؛ من تضليل للناس وتغرير بهم ومن تزيين للباطل، وتقبيح للحق، والله المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – أنظر مجموع الفوائد واقتناص الأوابد ص24

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *